الوقت- تهميش الشعب واعتقال شبابه والتضييق عليه وقمع حريته أساليب قديمة تمارسها الديكتاتوريات بحق شعبها لمنعه من التعبير عن رأيه، والمضي قدماً نحو الحصول على الحرية والعدالة والمساواة، الكلمات الثلاث الأخيرة هي ما كان يبحث عنه شعب البحرين منذ مطلع العام 2011 حين بدأ مظاهرات سلمية طالب فيها الحكومة البحرينية بالمساهمة في إشراك جميع شرائح المجتمع وطوائفه في رسم مستقبل البلاد سوياً بما تقتضيه شروط الديمقراطية أو أقل ما يمكن تحقيقه منها، إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك تماماً وبدأت حملات القمع ضد هذا الشعب ومطالبه وتم إحضار قوات خارجية لقمعه أيضاً وكأن سكان البحرين يحتلون بلادهم ولا يحق لهم العيش فيها ومن المفارقة أن الأبواب كانت تفتح حينها للإسرائيليين وتنطلق وفود بحرينية بين الفينة والأخرى إلى تل أبيب لتعميق الصداقة مع العدو الصهيوني ولا نستغرب أن تستدعي البحرين قواته لتقمع شعبها.
في الأمس أقدمت السلطات البحرينية على خطأ فادح سيكلفها الكثير لما له من تأثير على المعارضة والمساس برموزها التي لا تقبل المعارضة بأي شكل أن يتعرضوا للظلم، إلا أن محكمة الاستئناف البحرينية، كانت قد قبلت، أمس الأحد، طعن النيابة العامة على حكم محكمة درجة أولى القاضي بتبرئة زعماء من المعارضة من تهمة "التخابر مع قطر"، وقضت بإدانة الشيخ علي سلمان وعلي الأسود وحسن سلطان، ومعاقبة كل منهم بالسجن المؤبد.
السجن المؤبد للشيخ علي سلمان ورفاقه
بعد انطلاق ما يسمى بـ"الربيع العربي" في عام 2011 اضطربت العلاقة بين الجمعية والحكومة البحرينية إثر احتجاجات اتهمت الحكومة الجمعية بأنها تقف وراءها، وعقب ذلك اعتقل الشيخ علي سلمان عام 2013 ثم أطلق سراحه ليعتقل مجدداً في عام 2014 وحكم عليه في يوليو/تموز 2015 بالسجن 4 أعوام لإدانته بالتحريض، وقررت محكمة الاستئناف زيادة مدة العقوبة إلى 9 أعوام بعد إدانته بـ "الترويج لتغيير النظام بالقوة"، قبل أن تقرر محكمة التمييز خفض العقوبة إلى 4 سنوات، وأدى اعتقال الشيخ علي سلمان وإدانته لاحتجاجات في البحرين وإدانات من قبل منظمات حقوقية، وكان القضاء قد حل جمعية الوفاق التي كان لها أكبر كتلة نيابية قبل استقالة نوابها في فبراير/شباط 2011، والتي كان يترأسها سلمان.
التهمة الموجهة هذه المرة من قبل النيابة العامة ضد الشيخ علي سلمان تندرج تحت عنوان "التخابر مع قطر" وذلك من خلال التخابر مع مسؤولين في الحكومة القطرية بقصد استمرار الاضطرابات والفوضى التي شهدتها المملكة في العام 2011، وذلك بغية إفقاد السلطات سيطرتها على الأوضاع ومن ثم إسقاط النظام الدستوري في البلاد، إلا أنه في السابق كانت أصابع الاتهام توجه ضد طهران فما الذي تغير؟!.
ولو كانت العلاقة اليوم مع قطر كما كانت قبل تاريخ 5 يونيو/حزيران عام 2017 هل ستتجرأ البحرين على تمرير هذا الاتهام، من الواضح أن القرار البحريني جاء بصورة كيدية وبضغط سعودي بعد فشل كل المحاولات في حصار قطر وعدم قدرة الدول التي قاطعتها على تشويه صورتها على المستوى السياسي أو الإعلامي بتهمة تمويل الإرهاب، وما زاد الطين بلة أن الدول التي حاصرتها سارعت للتطبيع مع الصهاينة وفي نفس الوقت انتشرت قضية مقتل خاشقجي بأمر من أعلى المستويات في القنصلية السعودية داخل اسطنبول بحسب المسؤولين الأتراك، إذ إن توجيه سهام الاتهام من جديد نحو قطر لا نعتقد بأنه سيخدم في حل مشكلات البحرين المتأزمة ولن يجعل المعارضة تعدل عن قرارها في الوصول إلى مطالبها، وفي هذا السياق ورداً على الاتهامات البحرينية كانت وزارة الخارجية القطرية قد قالت على حسابها الرسمي على "تويتر": إن قطر ترفض الاتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين، وتابعت الوزارة: إن "قطر تستنكر الزج باسمها في خلافات البحرين الداخلية".
البحرين والانتخابات التشريعية
الجميع يعلم أن الانتخابات التشريعية في البحرين أصبحت على الأبواب ومن المقرر إجراؤها في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، وبالتالي يمكن القول أن قرارات النيابة العامة بحق الشيخ علي سلمان ممنهجة وتهدف لإحباط أي دور للمعارضة في الانتخابات بل عزلها ومنعها من أن تحصل على حقوقها بأي شكل من الأشكال، وبحسب موقع "مرآة البحرين" فإن السلطة حذفت عشرات آلاف الناخبين من قوائم الانتخابات مع إعلان المعارضة قرارها السياسي بمقاطعة الانتخابات.
ومؤخراً حظرت البحرين كل أنواع التعبير من التظاهرات ووسائل الإعلام وحتى الصحف، كما حدث في إغلاق صحيفة الوسط الصحيفة المعارضة الوحيدة في البحرين، فلم يبق أمام المعارضين سوى مقاطعة الانتخابات، ولو كانت شكلية رغم أن السلطة تعتقد أن تحييد الكتلة الناخبة سيساعدها على التحكم في نسبة الإقبال التي لطالما كانت محل تنافس بين المعارضة والسلطة.
ووفق قانون شرّعه البرلمان وصادق عليه الملك، يحظر على أعضاء الأحزاب المعارضة الترشح للانتخابات، لتفصّل ما يناسبها فتحدد المترشحين والناخبين، وتختار عبر مراكز التصويت العامة خليطاً غير متجانس من النواب.
لا يمكن للسلطات البحرينية أن تدفع المعارضة نحو العنف لتبرئة نفسها كما حاولت سابقاً وفشلت، وما فعلته هذه المرة سيؤلب الرأي العام ضدها وكذلك المنظمات الدولية فقد قالت مديرة مكتب المنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن "هذا الحكم يوضح الجهود المستمرة وغير القانونية للسلطات البحرينية لإسكات أي نوع من المعارضة"، وأضافت: "الشيخ علي سلمان سجين رأي والسبب الوحيد لسجنه هو أنه مارس حقه السلمي في ممارسة حرياته والتعبير عن رأيه".