الوقت- بعد شهور من النقاش والحوار بين الكتل السياسية العراقية، تم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة "عادل عبد المهدي" الذي قام قبل عدة أيام بتقديم لائحة تضم وزراء حكومته لأعضاء البرلمان العراقي ليقوموا بدورهم بالتصويت لإعطاء الثقة لتلك الحكومة، وفي خضم هذه الأحداث تم تداول الكثير من الأخبار التي تفيد بأن حصة الشيعة تتراوح ما بين 50 و 60 في المئة، ونصيب الكتلة السنية والكتلة الكردية كل على حدة وصل تقريباً إلى 20 في المئة.
لقد استطاعت الأحزاب الكردية العراقية الحصول على حصة لا بأس بها من الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية الجديدة ولكن الشيء المثير هنا هو الحصة التي حصل عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي في هذه الحكومة العراقية وهنا يبدو أن زيادة عدد الحقائب الوزارية التي حصل عليها هذا الحزب الديمقراطي تعتبر محاولة للفت انتباه القادة العراقيين بأن هذا الحزب سيمضي قدماً وسيشارك بجدية وموضوعية أكثر في الهيكل السياسي للحكومة العراقية الجديدة، خاصة عقب انزعاج أعضاء هذا الحزب الديموقراطي من فشلهم في انتخابات رئاسة الجمهورية العراقية، عندما لم يتمكن المرشح الديموقراطي من التغلب على منافسه القديم المنتمي لحزب الاتحاد الوطني في الانتخابات الرئاسية وفقدانهم منصب رئيس الجمهورية لمصلحة السيد "برهم صالح"، الأمر الذي أدّى إلى مغادرتهم العاصمة "بغداد" والغضب يخيم عليهم.
وعلى الرغم من وجود علاقة طيبة وقديمة بين رئيس الوزراء العراقي الحالي "عادل عبد المهدي" و"مسعود بارزاني"، زعيم الحزب الديمقراطي الذي عبّر عن مدى سعادته بانتخاب "عبد المهدي" رئيساً للوزراء إلا أن توقعات وحلم هذا الحزب الديمقراطي بالفوز برئاسة الجمهورية لم تتحقق وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الحزب الديمقراطي بتقديم مرشح له للمشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد انهيار حزب البعث الذي كان يقوده "صدام حسين" واحتكار الاتحاد الوطني خلال الفترة السابقة لهذا المنصب المهم في الهيكل السياسي العراقي، إلا أنه يبدو أن التغيير في النسيج السياسي لمنطقة كردستان العراق وتقلص صلاحيات رئيس هذه الإقليم الذي يتزعمه الحزب الديمقراطي قد قاد أعضاء هذا الحزب للتطلع بالفوز بمنصب رئاسة الجمهورية.
وفي سياق متصل دعا زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني "مسعود بارزاني"، خلال الأيام القليلة الماضية إلى مراجعة شاملة للعلاقة بين أربيل وبغداد لتحقيق مسار مفيد للطرفين بعيداً عن التعصب والتوتر، وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين ومع ذلك، ونتيجة لقرار البرلمان وإصرار الاتحاد الوطني على انتخاب السيد "برهم صالح" ليكون رئيساً جديداً للعراق، فإن هذا الأمر لم يُسعد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني ولهذا فمن المحتمل أن "عادل عبد المهدي" ومساعديه قد قرروا إعطاء الحزب الديمقراطي مناصب وزارية أكثر وذلك من أجل خلق حالة من التوازن داخل الساحة السياسية العراقية، ولكن العديد من المصادر الإخبارية صرّحت بأن نتائج الانتخابات البرلمانية الكردية أظهرت تفوّق الحزب الديمقراطي ولفتت تلك المصادر إلى أن هذا الحزب استطاع الفوز بـ 45 مقعداً من أصل 111 مقعداً في البرلمان المحلي لإقليم كردستان العراق، وأنه تم تخصيص 11 مقعداً للأقليات الدينية والعرقية وهذا يعني أن الحزب الديمقراطي استطاع الفوز بـ 45 من أصل 100 مقعد، وفي المقابل تمكّن حزب الاتحاد الوطني الذي يُعدّ المنافس الأشرس للحزب الديمقراطي الفوز بـ 22 مقعداً وتمكّن حزب "التغيير" أو "جوران" الفوز بـ 12 مقعداً فقط والمقاعد المتبقية فازت بها الأحزاب الإسلامية والأحزاب الصغيرة الأخرى.
وبالنظر إلى التغيرات السياسية والتطورات الأخيرة التي حدثت في العراق ولا سيما تلك التي وقعت في إقليم كردستان بعد استفتاء الانفصال، فإنه يبدو أن الحزب الديمقراطي على وشك أن ينعش نفسه وأن يظهر في بنية قوية جديدة يملؤها الكثير من الطموح وهذا الأمر يمكن أن يؤثر على عملية صنع القرار المتعلقة بكيفية مشاركة هذا الحزب في الحكومة المحلية، كما أن حصة الحزب الديمقراطي في الحكومة المحلية المستقبلية لا يمكن مقارنتها بالأحزاب المنافسة الاخرى وهذا الأمر قد يؤثر على مستوى تفاعل الأحزاب الكردية مع بعضها البعض داخل إقليم كردستان العراق وتعاملها مع الحكومة المركزية العراقية وهذا يعني أنه إذا تعامل الحزب الديمقراطي بخشونة وصعوبة، فمن المرجح أن حالة من عدم الرضا ستخيم على حزب الاتحاد الوطني والأحزاب المتنافسة الأخرى، حتى أن بعض المحللين لم يستبعدوا إمكانية إعادة التفكير في إنشاء منطقتين إداريتين لإقليم كردستان في مدينتي أربيل والسليمانية.
إذن إن الدور الذي سوف يلعبه إقليم كردستان في هيكل السلطة العراقي وقيامه بالتفاوض مع حكومة بغداد بشأن قضايا تتعلق بالنفط والمناطق المتنازع عليها، بما في ذلك كركوك، فضلاً عن قضية الميزانية العامة لهذا الإقليم، يعتمد اعتماداً كلياً على مستوى الاصطفاف الداخلي بين الأحزاب الكردية والمحادثات البناءة مع حكومة بغداد ولهذا السبب، فإن تجاهل الحزب الديمقراطي الكردستاني لمساهمات ومطالبات النقابات والحركات السياسية الكردية الأخرى في الحكومة المحلية وعدم عرضها بشكل شفاف على حكومة بغداد قد يحدّ من تأثير إقليم كردستان العراق على الساحة السياسية العراقية وبهذا الوصف، يبدو أن الوضع العام للعراق يجب أن يقوم على روح التفاهم والتوافق الوطني، خاصة مع الأكراد، وذلك من أجل ضمان نجاح جميع البرامج والخطط التي تسعى الحكومة الجديدة لتحقيقها.