الوقت- الانتخابات إجراء دستوري يهدف إلى انتخاب فرد أو مجموعة من الأفراد ليكونوا ممثلين للشعب الذي انتخبهم، وهذا الأمر محطّ قبول جميع شعوب العالم من حيث المبدأ، ولكن إلى أي مدى يتم تطبيق هذه الممارسة الديمقراطية بشكل صحيح في منطقة الشرق الأوسط؟!!.
في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل ستشهد مملكة البحرين انتخابات برلمانية جديدة وبما أن النظام فيها ملكي فلا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية، ولكن ومع ذلك فإن المواطنين البحرينيين كانوا يتمنون أن يكون لهم تمثيل منصف لهم جميعاً على حد سواء دون التمييز بين أفراد الشعب على أساس طائفي أو غيرها من الانتماءات ولكن مع الأسف لم يستطع الشعب البحريني التوصل إلى شيء مما كانوا يصبون إليه، وها هي تمضي سبع سنوات من الاعتراضات والمظاهرات السلمية دون أن يعطي آل خليفة أي أهمية لأكثر من نصف الشعب المعارض لسياسة هذه العائلة الاقصائية غير المنصفة والتي انعكست اليوم بشكل واضح على الحياة الاقتصادية للمملكة وأظهرت حجم الفساد في هذه البلاد.
جمعية الوفاق تقاطع الانتخابات
لا شكّ بأن تأثير جمعية الوفاق كبير جداً ومؤثر في أي انتخابات برلمانية تعقد في البحرين لتمثيلها الكبير لشريحة واسعة من الشعب البحريني الذي لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف، واليوم هذه الجمعية تقرّر عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة لأسبابها الخاصة النابعة من حاجة ناخبيها لإحداث تغيير جذري في آلية التعاطي معهم ومعاملتهم بشيء من المواطنة التي يحاول آل خليفة تجريدهم منها.
شعب البحرين لم يجد أمامه من خيار سوى عدم المشاركة واختيار مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية حتى تحقيق شروطه في العدالة والمساواة، وهذا ما كان يبحث عنه منذ اليوم الأول لبداية المظاهرات السلمية في مطلع العام 2011، وقوبلت مطالب الشعب المحقة حينها بالرفض والقمع ووصلت إلى حد إحضار دول أخرى من قبل السلطات الحاكمة لقمع الشعب بالحديد والنار، وعلى هذا الأساس جاءت قوات (درع الجزيرة) لقمع البحرينيين، ومورست أبشع أنواع الظلم بحق الشعب البحريني وتم اعتقال الشباب وقتل أكثر من 200 مواطن بحريني وتعذيب أعداد كبيرة من الشباب في سجون آل خليفة، وعلى هذا الأساس كيف يمكن لهذا الشعب أن يثق بهذه السلطات التي استقدمت قوى خارجية لقمع أبنائها، وبالتالي ما الذي يمنعه من أن يلجأ إلى أسلوب التزوير في الانتخابات المقبلة.
ومن هنا قررت جمعية الوفاق البحرينية مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة عبر مؤتمر صحفي عقدته يوم أمس، وخلال المؤتمر قال نائب الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية الشيخ حسين الديهي "لن نشارك في تزوير الحقائق بالمشاركة في الانتخابات"، بينما دعا النائب السابق عن كتلة الوفاق علي الأسود المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية إلى مساندة الشعب البحريني للخروج من الواقع المأزوم والذهاب في بناء التوافق الوطني.
وتناول الشيخ الديهي أسباب الموقف المقاطع للانتخابات، مشيراً إلى "غياب دستور تعاقدي ووجود نظام انتخابي غير عادل ولا يحقق المساواة بين المواطنين واعتماد منهج التمييز في الدوائر".
وأضاف إن "النظام البحريني يستخدم الأساليب الأمنية ويقطع كل سبل التواصل السياسية مع الشعب"، معتبراً أن "البحرين أصبحت سجناً كبيراً لكل من يخالف الحكومة".
وأوضح أنه "منذ العام 2011 حتى اليوم هناك ما يقارب الـ200 شهيد في البحرين تمّ قتلهم أثناء التعذيب أو في المسيرات أو من خلال الإعدامات"، مشيراً إلى أن "البحرين تحولت إلى جزيرة خرساء حيث إن العمل السياسي والتعبير عن الرأي المعارض والعمل الحقوقي والاحتجاج السلمي ممنوعون".
تعرية النظام وإسقاط شرعيته
الشعب البحريني منذ اليوم الأول وهو متمسك بالخيار السلمي، وقد حاول النظام جرّ المواجهة السلمية إلى المواجهة العسكريّة لكن الشعب أفشل هذا المخطط، وهذا أربك آل خليفة وجعلهم يبحثون عن طريقة للنجاة من هذه المعضلة التي شوّهت صورتهم أمام المجتمع الدولي، لذلك ذهب هؤلاء بدعم من السعودية لمنع الإعلام الغربي من الدخول إلى البحرين، ومحاولة حجب كل ما يجري داخل أسوار البحرين عن الوصول إلى وسائل الإعلام وكان يتم قمع جميع النشطاء داخل البحرين، وتم التهرب من آليات الرقابة الدولية، وعدم السماح للمقررين الأمميين بزيارة البحرين ومراقبة الأوضاع الحقوقية بما فيهم المقرر الأممي الخاص بالتعذيب، وانتهاج سلوك عدائي مع آليات الأمم المتحدة من قبل السلطة.
ورغم كل ما تقدم تمسكت جمعية الوفاق بالحوار والتفاوض لتجاوز الأزمات، وتمسّكت أيضاً بالوحدة الوطنية والإسلامية وضرورة زيادة اللحمة الوطنية وتفويت الفرصة على أصحاب الأجندات الخارجية.
ولكن هذا لا ينفي بأن المجتمع الدولي لم يتحمل مسؤوليته تجاه البحرين، وساهم من خلال صمته عما يجري هناك بزيادة قمع المواطنين وتفرد آل خليفة بالسلطة وكان صمته بمثابة الضوء الأخضر لاستمرار القمع ومنعهم من إيصال صوتهم للعالم.
في الختام.. لا بدّ من إيجاد حلّ مستدام للأزمة بعيداً عن التدخلات الخارجية والتفرد بالسلطة لعائلة واحدة أو فئة واحدة من الشعب، وهذا الحل لا يمكن تأمينه عبر المشاركة في انتخابات لا تحمل شيئاً من الديمقراطية.