الوقت- يعدّ وضع مسودة الدستور أحد أصعب مراحل حلّ الأزمة السورية، دستور ينتظر منه أن يوفّر الشروط الأساسية التي ينشدها أغلبية الشعب السوري، بمختلف مشاربه وتنوعاته العرقية والطائفية وتوجهاته السياسية، بالإضافة إلى تحقيق توافق نسبي بين القوى الإقليمية والدولية بما يعيد الأمن والاستقرار لسوريا من جهة ويوفر غطاءً دولياً للسلطة التي ستتولى إدارة البلاد والشرعية لها على مستوى المؤسسات الدولية.
بموجب المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة ، مُنح مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ويمكن لمجلس الأمن أن يتصرف نيابة عن الأمم المتحدة بشأن هذه المسؤولية، ولتحقيق هذه الغاية، وافق (مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) على قرار رقم 2254 في 18 ديسمبر 2015 ، برئاسة واشنطن (جون كيري) ، بتوافق آراء أعضائه الخمسة عشر على إعداد خريطة طريق للسلم السوري والجدول الزمني بين الحكومة السورية ومعارضيها، والدعوة إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير حزبية، وبالتالي دستور جديد وانتخابات جديدة، تجرى تحت إشراف الأمم المتحدة، بطريقة حرة ونزيهة مع حق جميع السوريين في المشاركة فيها، بما في ذلك المغترين.
مساعٍ كبيرة واجتماعات مطوّلة بذلت لحل الأزمة السورية التي تدخل عامها الثامن قريباً ومن بينها المساعي الرامية لصياغة دستور جديد، لكن كل هذه المحاولات باءت للأسف بالفشل، أو على الأقل لم تنجح في تحقيق الهدف الأساسي وهو وقف نزيف الدم السوري على الرغم من النجاحات النسبية لوقف إطلاق النار من جهة، والخوض الجدي بسبل حل الأزمة وبحث الطرق المتاحة لاستعادة الأراضي السورية من قبل أيدي الإرهابيين من جهة ثانية، هذا الفشل سببه الرئيس عدم وجود رغبة حقيقية وإرادة لدى الأطراف المتفاوضة في صياغة دستور مختلف يتناسب مع المجريات والحقائق الميدانية.
مسألة التمثيل.. مخاض عسير
بعد سلسلة من المباحثات والمفاوضات التي امتدت لسنوات من جنيف إلى استانا فسوتشي، انطلقت قبل أيام في مدينة جنيف السويسرية أعمال ما يسمى باللجنة المصغرة من أجل سوريا وأبرز المسائل المطروحة على الاجتماع هي اللجنة الدستورية، هذه اللجنة التي ستتشكل من 45 شخصية سورية يجري التوافق عليها من قبل الحكومة والمعارضة وبمباركة ممثلي الدول الضامنة لعملية أستانا (روسيا وإيران وتركيا) والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وسيتم تشكيلها على أساس المبادئ ذاتها التي سيبنى عليها تشكيل اللجنة الدستورية من 150 شخصاً، (ثلث أعضاء المجموعة المصغرة سيكون من ممثلي الحكومة والثلث الثاني من المعارضة والثلث الأخير من ممثلي المجتمع المدني)، لكن الجهات الفاعلة الأخرى ستؤثر بشكل غير مباشر على العملية الدستورية، وتشمل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والأردن ومصر والسعودية.
هذه اللجنة التي ستتشكّل عاجلاً أم آجلاً ستصطدم بعدد من القضايا الصعبة في صياغة الدستور أبرزها:
شكل سوريا الجديدة:
واحدة من القضايا المثيرة للجدل في صياغة الدستور هي نوع وماهية الدولة السورية المستقبلية، هناك عدة اقتراحات مثل حكومة متكاملة ذات سلطة مركزية، وحكومة اتحادية، وحكومة محلية لا مركزية، واشنطن وحلفاؤها يؤيدون حكومة غير مركزية ذات قوى إقليمية واسعة، وحتى الحكومة الفيدرالية يمكن اعتبارها الخيار المفضل لديهم، لكن تركيا تعارض سلطة الأكراد في هذا النوع من الحكومة أو الفيدرالية، من ناحية أخرى، تدعم إيران وروسيا أيضاً الحكومة الموحدة المركزية.
قضية النازحين:
تنظيم آلية عودة المهجرين الذين يقدّر عددهم بأكثر من 7 ملايين مواطن سوري، وتأمين المستلزمات المعيشية لهم وإعادة إعمار مناطقهم التي هجّروا منها، وضمان عدم التعرض لهم أمنياً، فضلاً عن إنشاء آليات لمنع العصيان المدني وهي تحدٍ آخر في عملية التسوية السياسية وصياغة الدستور، فتركيا تسعى إلى إعادة توطين جميع السوريين المهجرين على أراضيها في المناطق الحدودية السورية التركية بحيث يشكلون عمقاً للنفوذ التركي داخل سوريا يسهّل التحكم به وإدارته بالإضافة إلى تشكيلهم سدّاً منيعاً، أما طموحات الأكراد الانفصالية (وهو هاجس أنقرة الأكبر)، لكن الحكومة السورية وحلفاءها يسعون إلى الحد من نفوذ تركيا على الأرض ويقدرون خطورة هذه الأحلام التركية وتأثيرها على المدى البعيد في صناعة القرار السوري المستقل.
آلية التحوّل السياسي:
قضية جدلية أخرى تواجه اللجنة الدستورية السورية هي آلية التحوّل السياسي، بما في ذلك إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وآلية السيطرة على مفاصل الدولة، وكيفية ترشيح الأفراد وحقوق الجماعات العرقية (وخاصة الأكراد) في بنية التمثيل السياسي ونصيبهم من السلطة، وصلاحيات رئيس الجمهورية وتنظيم الأحزاب ووسائل الإعلام ودور الأمم المتحدة والدول الإقليمية في مراقبة أي انتخابات مقبلة.
هناك أيضاً جملة من المشكلات التي تحتاج إلى حلّ لا تتعلق فقط بآلية تشكيل اللجنة الدستورية السورية وما هي القضايا التي ستبحثها بل هناك أيضاً جملة من القضايا التي تحتاج إلى توافق من بينها آلية عمل اللجنة وكيف سيتم التعامل مع مخرجات عملها وما هي صلاحيتها ومكان انعقاد اجتماعاتها.