الوقت- خطة جديدة تمضي بها أمريكا في منطقة الشرق الأوسط من بوابة العسكرة، المجال الأقرب إلى قلب واشنطن والأكثر قدرة على اللعب من خلاله، والخطة الجديدة هذه المرة صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، التي قررت سحب منظومة صواريخ من طراز "باتريوت" من الشرق الأوسط مطلع الشهر القادم (أكتوبر/تشرين الأول المقبل).
ماذا تقول واشنطن عن ذلك؟!
سحب بطاريات الصواريخ جاء تحت عنوان "إعادة الصيانة" بحسب التصريحات الأمريكية، وأضاف المسؤولون، إن الأنظمة الأربعة قد تم فصلها بالفعل، حيث سيتم إزالتها الشهر القادم، كما أكدوا عدم وجود نية لدى المسؤولين في وزارة الدفاع باستبدال أي منها، حيث من المقرر أن يتم إعادتها إلى أمريكا وتطويرها، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".
إلا أن الأمر لا يمكن أن يكون بهذه البساطة ومن السذاجة تصديق ذلك في ظل رغبة واشنطن على البقاء في منطقة الشرق الأوسط بل تعزيز ذلك بشتى الطرق، وإن كان الأمر يتمثل بأعمال الصيانة فيمكن إنجاز ذلك في الدول التي تنتشر فيها هذه المنظومات، ولكن واقع الأمر يقول إن هناك تكتيكاً عسكرياً جديداً تبحث عنه واشنطن في الشرق يمكن من خلاله الاستفادة بشكل أكبر من الدول التي تحتوي هذه المنظومات، وهذا يأتي في سياق طبيعي لسياسة ترامب الاستفزازية لدول المنطقة ولاسيما دول مجلس التعاون.
الأهداف والغايات
هناك إبهام يحيط بالقرار بشكل عام، لا يمكن الجزم بكل أبعاده في ظل التذبذب الذي تشهده الإدارة الأمريكية والأنباء التي تتحدث عن احتمال إقالة ترامب لوزير الدفاع ماتيس، ولكن يمكن الحديث عن مجموعة النقاط التالية التي تُظهر جانباً مما يجري في المنطقة وكيف تنظر واشنطن لمستقبلها هنا في ظل تصاعد التحديات التي تواجهها وفشلها في إنجاح "الحرب بالنيابة" عبر الحلفاء:
أولاً: التحديات في الشرق الأوسط تتزايد يوماً بعد يوم في ظل توجّه كل من روسيا والصين نحو هذا الشرق، وهاتين الدولتين إحداهما تستطيع إغراق الشرق بالأسلحة الحديثة والمتطورة والأخرى تغرق هذه المنطقة بالمنتجات، وهذا الأمر خلق منافسة أجبرت واشنطن على تغيير استراتيجيتها أمام هذه التحديات، لذلك يمكن القول إن أمريكا تعمل على إعادة تموضع قواتها وتغيير قواعد هذه الصواريخ تحسباً لأي اختراق أمني يكون قد كشف أماكن وجودها.
وقرر وزير الدفاع الأمريكي (جيم ماتيس) سحب أربعة أنظمة صواريخ من طراز "باتريوت" من الأردن والكويت والبحرين الشهر المقبل، في إطار تنظيم القوات والقدرات العسكرية الأمريكية، والتي تأتي في سياق إعادة تقييم التهديدات القادمة والتي تركز على الصين وروسيا.
ثانياً: مجرد الإعلان عن سحب هذه المنظومة سيجعل الدول التي تستفيد منها في الشرق تقلق على أمنها، لكونها كانت تعيش لعقود طويلة في ظل وجود حماية أمريكية تمنع حدوث أي خطر أمني يحل بهذه الدول، وهذا يجبر هذه الدول على الامتثال لأي قرار جديد يخرج عن واشنطن، وهذا ما يبحث عنه ترامب الذي يهوى عقد الصفقات التي تدرّ عليه مليارات الدولارات، وبالتالي يمكن اعتبار سحب منظومة الصواريخ هذه بمثابة استفزاز لجني المزيد من الأموال.
وبالفعل تم توقيع أول صفقة أسلحة مع البحرين، حيث نشرت وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون، بياناً أعلنت فيه أن وزارة الخارجية الأمريكية وقّعت صفقة عسكرية مع البحرين، وأشارت إلى أن الصفقة الجديدة تتضمن بيع أكثر من 800 صاروخ تكتيكي إلى البحرين، بقيمة تصل إلى 300 مليون دولار.
وقال البيان: "طلبت مملكة البحرين شراء 120 صاروخاً متعدد الإرشاد من نوع (GMLRS) الموجّه، وست أنظمة صواريخ لكل جراب مجموعة من 720 صاروخاً من وحدات المدافع الصاروخية الأحادية M31 (GMLRS)، و110 من أنظمة الصواريخ التكتيكية (ATACMS) M57 T2K"، مشيرة إلى أن القيمة الإجمالية للصفقة ستصل إلى 300 مليون دولار.
ثالثاً: لنفرض جدلاً أن واشنطن تريد إعادة صيانة هذه المنظومة وتطويرها، يعني ذلك أنها تقرّ ضمناً بفشل هذه المنظومة في حماية حلفائها، وهذا الأمر ظهر بشكل جلي في الحرب اليمنية، حيث عجزت هذه المنظومة عن إسقاط الصواريخ اليمنية أو منعها من الوصول إلى أهدافها، وهذا ما سبب إحراجاً لواشنطن، لذلك لابدّ من إنجاز هذه المسرحية لطمأنة الحلفاء.
رابعاً: روسيا رفعت سقف التحدي في الشرق عبر توجه موسكو لتزويد تركيا والهند وحتى الصين بمنظومة الدفاع الجوي "أس-400" المضادة، وكذلك "أس-300" المطورة لسوريا، ما دفع بالأمريكيين لإعادة ترتيب دفاعاتهم الجوية في منطقة الشرق الوسط.
وبناء على ما تقدم، فإن هناك توجّه أمريكي حالي لإبرام صفقات أسلحة جديدة بمليارات الدولارات لإرواء عطش ترامب المادي، وستكون الوجهة الأولى نحو الإمارات عبر تزويدها بمنظومة دفاع جوي أمريكية جديدة مثل "نظام ثاد" الذي يعالج الصواريخ خارج الغلاف الجوي خلال العام المقبل.
الأمريكي يعرف ما يريد من هذه الدول ويعرف جيداً كيف يحصل على ما يريد، والأيام المقبلة ستكشف حجم الصفقات القادمة والتي ستؤثر على اقتصاد هذه الدول ورفاه مواطنيها لامحالة.