الوقت-في 15 اب/أغسطس الماضي وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2019، والتي بلغت قيمتها 716 مليار دولار بنمو بنسبة 7٪ مقارنة بميزانية عام 2018، وتعدّ هذه الميزانية الأضخم من نوعها في تاريخ البلاد، بحيث ستغطي نفقات مشاريع البنتاغون الخارجية والعمليات العسكرية الأمريكية المستمرة إضافة إلى نفقات الدفاع عن ترسانتها النووية، كما ستسمح أيضاً للإدارة الأمريكية بتوجيه الجيش الأمريكي للعمل أكثر خارج الحدود، وخلال الحملة الانتخابية، وعد دونالد ترامب مراراً بزيادة ميزانية بلاده العسكرية، وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ما هي أسباب ونتائج هذه الزيادة على الساحة الدولية.
نمط نمو ميزانية الدفاع الأمريكية في العقد الماضي
شهدت الميزانية الدفاعية الأمريكية خلال العشر سنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً، بحيث وافق البنتاغون الشهر الماضي على زيادة 7% في ميزانية عام 2019، وإن عدنا بالتاريخ إلى الوراء أيضاً نرى أنه في عام 2018 ارتفعت الميزانية الأمريكية بنسبة 13% عن عام 2017، واستناداً إلى ميزانية أمريكا العسكرية في عام 2017، والتي بلغت 619 مليار دولار، ارتفع عدد أفراد الجيش الأمريكي إلى أكثر من 476 ألف جندي، وبلغ عدد أفراد القوات الجوية 321 ألف جندي، وبلغ عدد مشاة البحرية الأمريكية 185 ألف جندي.
وبالرغم من الاتفاق الذي حصل بين الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والكونغريس الأمريكي عام 2011 بخفض الميزانية الدفاعية 500 مليار دولار أمريكي خلال العشر سنوات المقبلة، وهذا ما حدث بالفعل حيث انخفضت الميزانية العسكرية في عام 2015 لتبلغ 585 بعد أن كانت في العام الذي قبله 615 مليار دولار، إلا أنه في العام الذي تلاه عادت وارتفعت الميزانية وذلك بعد اتفاق الجمهوريين التصويت على زيادتها وهذا ما أظهر الطبع العدائي للجمهوريين في أمريكا، وفي هذا الإطار بلغت ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2016، 612 مليار دولار بزيادة بلغت 27 مليار دولار، بنسبة 4.6 ٪ عن العام السابق، واستمر هذا نمط بالارتفاع حتى يومنا هذا بحيث تم نقض الاتفاق المبرم بين أوباما والكونغريس عام 2011.
وهنا، تعدّ الميزانية الأمريكية الأضخم في العالم، وهي تعادل ميزانية عسكرية لـ 9 دول كبيرة، و10 أضعاف الميزانية العسكرية الروسية، وهي تأتي في قمة جدول "النفقات العسكرية" العالمية، بمعنى أبسط تمثّل أمريكا حوالي 20٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي الفيدرالي.
الأسباب الداخلية والخارجية لزيادة الإنفاق العسكري الأمريكي عام 2019
أقرّ الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية أن الجيش الأمريكي ضعف إلى درجة بات يحتاج إلى تعزيزات كبيرة عبر مزيد من الجنود والطائرات والبوارج، وبنظر ترامب هذه التعزيزات سوف تعيد للجيش الأمريكي هيبته السابقة.
وقد كشفت الميزانية المقترحة لمجلس الشيوخ الأمريكي عن خطة استراتيجية تهدف إلى إعادة تجهيز الجيش لمعارك مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، كما ستقوم واشنطن بالقيام بخطوات جديدة لتوسيع أنشطتها العسكرية للتنافس مع بكين وموسكو، عبر تقوية الجيش، وتطوير أنظمة الدفاع الصاروخية المتقدمة، إضافة الى زيادة مخزون أمريكا من الأسلحة النووية.
ومن الأسباب التي أدت إلى زيادة الإنفاق العسكري:
1-إعطاء امتياز للمصانع العسكرية الأمريكية، مثل شركة لوكهيد مارتن، بوينغ، جنرال دايناميكس، وغيرها من شركات السلاح، كما وتشجع واشنطن على توسيع قواعدها غرب آسيا وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية في إطار طموح ترامب عبر هذه المصانع، وهذا يعني ربحاً هائلاً لشركات الأسلحة الأمريكية الضخمة التي يعدّ فيها الجنرالات الأمريكيون أبرز المساهمين فيها، ويمكن اعتبار هذا النوع من الإجراءات ورقة مساومة مع مساهميها في مجلس الوزراء وغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال في النظام الأمريكي.
2-تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد ضد تهديد الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، كما أن خلاف ترامب مع حلف الناتو والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جعله أكثر دعماً للجيش الأمريكي ودفعه للوجود بعديد أكبر في حلف الناتو.
3-تسليط الضوء على أعداء أمريكا، مثل إيران، ونشر أفكار كاذبة حول مدى خطرها على منطقة الخليج الفارسي ما يدفع الدول الخليجية إلى استثمار أموالهم في شراء الصناعات العسكرية الأمريكية تحت عنوان الدفاع عن أنفسهم أمام ما يسمونه الفوبيا الإيرانية، أو طلب الدول الخليجية دعم القوات الأمريكية، فترسل أمريكا قواتها العسكرية إلى هذه البلدان وتضعها على الحدود مع إيران بشرط أن تتكفل هذه الدول بميزانية هذه القوات.
4-تقوية برامج الدفاع الالكترونية والبرمجية، حيث لم تعد الحروب تقتصر على استخدام الأسلحة الفتاكة التي تحملها الطائرات أو المدرعات أو الجنود، فهذه توشك أن تتوارى في المستقبل وراء ظل حروب ربما تكون أكثر فتكاً وهي الحروب الإلكترونية، وهذا يتطلب ميزانية ضخمة.
آثار زيادة الميزانية الدفاعية الأمريكية على العالم
إن زيادة الإنفاق العسكري لأمريكا سينعكس أيضاً على الساحة الدولية، حيث إن جزءاً من هذه الميزانية سوف يصرف على تمويل زيادة الصناعات العسكرية الأمريكية والنووية، كما أن جزءاً آخر منها سوف يستثمر في تمويل العمليات الخارجية للقوات الأمريكية، وفي النتيجة سوف يكون هناك ردود أفعال مقابلة من القوى العالمية التي ستبادر إلى زيادة نفقاتها العسكرية لتكون الندّ لأمريكا.
كما أنها سوف تساهم في خفض حجم المساعدات الأمريكية الخارجية، وهذا ما حدث بالفعل خلال هذ الفترة حيث قامت الإدارة الأمريكية بتخفيض 36 مليار دولار من ميزانيها للمساعدات الخارجية، ومن وجهة نظر أخرى، وبسبب استمرار ترامب في اعتماد النهج الانعزالي، سيتم تخفيض المساعدات الأمريكية بشكل أكبر في المستقبل، وبسبب تخفيض أمريكا للمساعدات الخارجية، سيؤثر ذلك على النظام العالمي ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار الدولي، وستكون النتيجة أن أمريكا لن تنعم بالأمان بسبب كثرة الأعداء.
ختاماً، على الرغم من أن أمريكا تسعى من خلال زيادة إنفاقها العسكري إلى تحقيق الهيمنة على العالم، إلا أنها تحتاج إلى استراتيجية متكاملة ترسم من خلالها الأهداف المبتغاة من هذه الميزانية، بحيث تكون الخطوة الأولى هي تحديد نوع المشكلات التي تعانيها أمريكا، الخطوة الثانية حل هذه المشكلات، وثالثاً شراء المعدات اللازمة لتطبيق هذه الاستراتيجية، لكن ترامب نفّذ هذه العملية من الأسفل إلى الأعلى، فقام بشراء المعدات العسكرية الضخمة التي لن تساهم إلا بالدمار والحروب.