الوقت - لقد بلغت الخلافات التركية – الأمريكية اليوم الحدّ الذي لا يمكن من خلاله تصوّر خفض التوترات القائمة بين البلدين وعودة أردوغان إلى أحضان واشنطن من جديد، ولربما يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك أي ابتعاد تركيا عن الغرب والتوجه تماماً نحو الشرق إثر سياسات العداء الأمريكية ضدها.
تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية صاحب التوجه الإخواني الحاكم، تسعى إلى استعادة مكانتها التاريخية التي كانت عليها خلال عهد الامبراطورية العثمانية المنهارة، لكن بحلة جديدة متمثلة في توجهات أردوغان ومن يشاطره الرأي في تعزيز دور أنقرة لتصبح "قوة إقليمية مؤثرة على صعيد التطورات العالمية".
ورغم جميع التحديات التي تواجه طموحات أردوغان في بسط نفوذ تركيا الإقليمي والدولي، لكن ذلك لا يمنعه من مواصلة المساعي الرامية إلى تعزيز قدرات تركيا الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ووضع هذا على سلّم أعمال حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذا البلد.
وفي السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى الثورات الشعبية خلال العام 2011 في العالم العربي، ما أتاح فرصاً منقطعة النظير لأنقرة في المضي قدماً نحو تحقيق تطلعاتها في إطار "العثمانية الجديدة".
وفي ضوء ما تقدم، ينبغي الإشارة إلى أن مواقف أردوغان من التطورات الأخيرة شكّلت تحدياً لمصالح القوى العالمية وبالتالي أسهمت في زيادة الخلافات بين تركيا وروسيا من جانب، وبين تركيا وأمريكا من الجانب الآخر.
وانطلاقاً من ذلك فعلى الرغم من كل ما حدث من تطورات على صعيد العلاقات الروسية - التركية خلال العام 2016 وتحديداً فيما يخص القضية السورية، إلا أن الأزمة تراجعت شيئاً فشيئاً على خلفية قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة النظر بشأن سياساته المتخاصمة مع موسكو واعتذاره من الأخيرة، لتشهد المرحلة الراهنة مزيداً من تنامي العلاقات الثنائية بين الجانبين.
لكن هذا التغيير في توجهات تركيا السياسية والدبلوماسية لم ينطبق على الخلافات القائمة بين أنقرة والغرب وإنما باتت التوترات تتفاقم يوماً بعد يوم.
ونظراً لما تؤكده التجارب حول مواقف أردوغان المتذبذبة والمرشحة للتغيير الجذري المستدام، فإن السؤال الذي يطرحه المراقبون للشأن التركي هو: "ما هي التكهنات حول مستقبل العلاقات التركية الدولية ولاسيما مع الغرب وأمريكا؟".
في معرض الرد، ينبغي التركيز على مستوى الخلافات القائمة بين أنقرة والغرب وأيضاً المصالح والتهديدات التي تحدد وقف أو استمرار التوترات، وذلك نظراً لقرارات أنقرة الأحادية والقائمة على الأهداف والخطوط العريضة للسياسة الخارجية في هذا البلد، كما يتوجب الأخذ بعين الاعتبار أن طبيعة الخلافات بين أنقرة وموسكو التي تختلف تماماً عن التوترات القائمة بين تركيا وأمريكا.
وفي هذا السياق، ينوه المراقبون بموقف روسيا الرافض لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016 والتي تعرّضت لها حكومة أردوغان، فيما تؤكد الوثائق الصادرة عن جهاز الاستخبارات التركي أن الأمريكيين يقفون وراء كواليس المؤامرة فيما كانت موسكو واحدة من البلدان التي أبلغت الرئيس التركي عن وقوع الانقلاب وندّدت بهذه المحاولة منذ وقوعها.
هذا التطور عزّز القناعة لدى أردوغان بأن واشنطن لم تعد حليفة لأنقرة، ما حدا به ليعيد الحسابات في استراتيجية السياسة الخارجية التركية وينتهج مسار التعاون مع محور الشرق وتحديداً إيران وروسيا فيما يخص التطورات الأخيرة على صعيد المنطقة.
من جانب آخر، فإن رفض واشنطن تسليم رجل الدين التركي المعارض عبدالله غولن إلى أردوغان، وأيضاً استمرار المساعدات المالية والعسكرية المقدمة من جانب البنتاغون إلى المسلحين الكرد في سوريا الذين تصفهم أنقرة بـ "الإرهابيين المنتسبين إلى حزب العمال الكردستاني"، هذه المستجدات زادت الطين بلة وغرست بذور الكراهية والحقد في قلوب الأتراك تجاه أمريكا لتبلغ التوترات القائمة على صعيد العلاقات التركية – الأمريكية ذروتها اليوم.
وفي سياق متصل، يشار إلى مواقف الكرملين الذكية المتمثلة في عدم انتهاج سياسات عدائية ضد "حكومة العدالة والتنمية" وتركيزها على خفض مستوى التوترات في العلاقات الثنائية بيد البلدين، خلافاً لأمريكا التي أصرّت ولا سيما في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، على استهداف البنى السياسية والاقتصادية والمجتمع التركي بأسره.
وبالتالي ينبغي التنويه إلى موافقة روسيا على تعزيز الدور التركي في مفاوضات "استانا" و"سوتشي" لتسوية الأزمة السورية، لكن في المقابل فقد بلغت الخلافات ذروتها بين أنقرة وواشنطن وذلك نتيجة لمواقف أمريكا العدائية من تركيا، الحقيقة التي تجسدت في مقال أردوغان بصحيفة نيويورك تايمز.