الوقت- شهدت العلاقات بين حكومة الرئيس السوري "بشار الأسد" والأكراد السوريين الذين يعيشون في الأجزاء الشرقية من منطقة الفرات، تحسّناً كبيراً خلال الأسابيع الأخيرة ولقد وافقت القوى الديمقراطية السورية على رفع العلم السوري في بعض المناطق القابعة تحت سيطرتها، ما يعني قبول هذه الأقلية الكردية بحكم الحكومة الشرعية المتمثلة بالرئيس "بشار الأسد" ولقد توصل الجانبان إلى اتفاق حول كيفية استغلال الموارد النفطية الموجودة في مناطق الفرات الشرقية ويعمل الأكراد السوريون في وقتنا الحالي على بناء علاقات قوية مع دمشق، بعدما كانوا لعدة سنوات قابعين تحت الهيمنة السياسية والعسكرية لأمريكا وتشير العديد من المصادر المحلية إلى أن معظم القواعد العسكرية الأمريكية تتمركز في منطقة الفرات الشرقية وبهذا فإننا سوف نسلط الضوء في مقالنا هذا على أهمية التقارب بين الأكراد السوريين وإدارة الرئيس "بشار الأسد" في رسم المستقبل بعد تجاوز الأزمة التي تشهدها البلاد حالياً وسوف نتطرق إلى الأسباب التي أدّت إلى قبول جميع الأطراف الجلوس على طاولة الحوار للتفاوض وسندرس عواقب هذا التقارب.
نظرة على العلاقات بين أكراد سوريا والحكومة السورية منذ بداية الأزمة
فضّل الأكراد السوريون خلال السنوات السبع الماضية عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية وذلك لأن "أنقرة" كانت تعارض بشدة انفصال الأكراد السوريين والتمتع بحكم ذاتي في هذا البلد والسبب الآخر يتمثل في أن الأكراد السوريين كانوا خلال تلك الفترة يحاولون إحكام السيطرة على جميع المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتهم ولهذا فإن هاتين القضيتين، أجبرتا الأكراد على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية وعندما بدأت الأزمة السورية في عام 2011، تمكّنت القوات الكردية من إحكام سيطرتها على معظم المناطق الكردية ولقد جاءت هذه الخطوة في وقت تراجعت فيه القوات الحكومية السورية من هذه المناطق، ويحلم الأكراد حالياً بالحصول على حكم ذاتي من خلال رسم خارطة طريق تقود إلى اللامركزية، لكن دمشق تعارض بشدة هذه الفكرة وتتطلع إلى إنشاء حكومة مركزية قوية.
أسباب تقارب الأكراد السوريين مع الحكومة السورية
الأسباب الداخلية
النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الحكومة السورية: لقد حققت حكومة "بشار الأسد" إنجازات كبيرة في الأشهر الأخيرة واستطاعت هزيمة "داعش" وبسط سيطرتها على معظم الأراضي السورية ولهذا فإن الأكراد السوريين فضّلوا عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع حكومة دمشق المركزية.
بذل الكثير من الجهود لحل جميع الخلافات سلمياً: تحتاج المناطق الكردية الآن إلى إعادة البناء والعودة إلى وضعها الطبيعي بعد سبع سنوات من الأزمة السورية ويمكن أن يكون للنزاعات المستمرة مع حكومة دمشق المركزية آثار مدمرة تتناقض مع مصالح الأكراد الذين يعيشون في المناطق الكردية.
الأسباب الخارجية
فقدان الثقة بشأن دعم واشنطن: يرى الأكراد السوريون حالياً العديد من المؤشرات التي تدل بما لا تدع مجالاً للشك بأن واشنطن لن تقدّم لهم الدعم وأنها سوف تتخلى عنهم في القريب العاجل وما ردة فعل واشنطن على غزو تركيا للأكراد السوريين، إلا دليل واضح على أن واشنطن تخلّت عنهم عندما كانوا في حاجتها.
فشل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في العراق: لقد فقد "مسعود برزاني" منصبه جراء هذا الاستفتاء الكردي الذي انتهى بالفشل ولهذا فلقد تعّلم الأكراد بأن اتخاذ بعض الخطوات السريعة سيكون له عواقب وخيمة.
معارضة "أنقرة" لتزايد النفوذ الكردي: تعتقد تركيا أن القوى الديمقراطية السورية وحزب العمال الكردستاني في تركيا مرتبطان ببعضهما البعض وبما أن "أنقرة" تعتبر حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية، فهي ترى أن زيادة قوة حزب القوى الديمقراطية السوري سيصبّ ضد مصالحها الوطنية ولهذا فلقد دفع هذا تركيا إلى اتخاذ خطوات مختلفة خلال الأزمة التي دامت سبع سنوات في سوريا للحدّ من تنامي نفوذ الأكراد في المناطق الحدودية.
الأسباب التي دفعت دمشق للتقارب مع الأكراد السوريين
خفض التكاليف الداخلية الجديدة: إن مفاوضات حكومة دمشق مع القوى الديمقراطية السورية هي الحل المناسب الذي يمكن أن يمنع زيادة التكاليف الداخلية التي تُثقل كاهل الميزانية العامة للبلاد.
إعادة إعمار صناعة النفط والغاز في البلاد: إن الاستفادة من موارد الغاز والنفط يُعدّ أحد الأسباب التي دفعت الحكومة السورية إلى التقارب مع الأكراد وهنا يمكن القول بأن كلا الجانبين لا يمكنهما إعادة بناء صناعة النفط والغاز في البلاد من دون التعاون مع بعضهما البعض.
آثار التقارب المستقبلية بعد تجاوز الأزمة والمحافظة على وحدة أراضي سوريا
تعزيز وضع الحكومة المركزية: سيحافظ اتفاق الحكومة السورية مع الأكراد على وحدة أراضي سوريا وسيعزز من وضع الحكومة المركزية في المناطق الخاضعة لسيطرة القوى الديمقراطية السورية.
تنامي المخاوف التركية: لقد أثارت أنقرة سلسلة من الأعمال الاستفزازية شمال سوريا وهنا يمكن للاتفاق الكردي مع الحكومة المركزية السورية أن يكون رداً على تورّط أنقرة وتدخلها في القضايا والشؤون السورية.
بسط الجيش السوري سيطرته على حدود البلاد: إن أهم إنجاز يمكن أن يكون للتقارب الكردي مع الحكومة السورية هو سيطرة الجيش السوري على حدود البلاد، كما يمكن حل القضايا القائمة حول بعض المناطق مثل القضايا المتعلقة بمدينة "الرقة".
في الخلاصة مع بداية الأزمة في سوريا ومع انسحاب القوات الحكومية السورية من المناطق الكردية، قامت القوى الديمقراطية السورية ببسط سيطرتها على تلك المناطق ولكن تلك القوى لم تسعَ للدخول في مواجهة مباشرة مع حكومة دمشق وهنا يكشف التقارب الأخير بين القوى الديمقراطية السورية والحكومة السورية عن تطورات جديدة في العلاقات بين الجانبين ويمكن القول هنا بأن الوضع الحالي في المنطقة هو الذي دفع الأكراد للعمل في اتجاه تحسين علاقاتهم مع حكومة دمشق المركزية.