الوقت- علّق الكثير من المواطنين الأمريكيين آمالهم وأحلامهم على الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" واعتقدوا بأنه سيعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية عقب توليه زمام الأمور في البيت الأبيض، ولكن الأرقام الإحصائية التي نُشرت مؤخراً، تُظهر بأن تلك الأحلام وتلك الآمال تلاشت وذهبت أدراج الرياح وحول هذا السياق أشارت العديد من التقارير الإحصائية إلى أن معدّل التضخم في أمريكا ازداد خلال السنوات القليلة الماضية بشكل غير متوقع، حيث سجّلت معدلات النمو السنوية في شهر يوليو الماضي تضخمّاً يقدّر بـ "% 2.4" في حين كانت التوقعات تتنبأ بأن التضخم سيكون بمعدل "% 2.3" وهذا الارتفاع في التضخم أثار العديد من المخاوف في الشارع الأمريكي بشأن مستقبل الوضع الاقتصادي داخل أمريكا خلال الحقبة الترامبية.
وفي الأسبوع الماضي عقدت أكثر من 50 منظمة ومؤسسة غير حكومية في ولاية "ديترويت" الأمريكية مؤتمراً يهدف إلى معالجة الزيادة في عدد المشردين وانخفاض مستوى ونوعية الحياة الأسرية بسبب الزيادة في أسعار الإيجارات للمنازل السكنية في هذه الولاية وتشتهر ولاية "ديترويت" بكونها أكبر مركز للسيارات في أمريكا حيث يوجد فيها ثلاث مقار كبيرة لشركات "جنرال موتورز" و"فورد" و"كرايسلر".
وفي هذا الصدد، أعرب "فيليب الستون"، المسؤول الأممي والمختص بقضايا حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تصريحات له خلال مهمته لدراسة حالة الفقر الموجودة في العديد من الولايات الأمريكية في فبراير الماضي، حيث قال: "إن أمريكا تُعدّ واحدة من أغنى الدول وأكثرها تقدماً في العالم، لكن لا يمكن رؤية هذه الثروة ولا هذه القوة ولا هذه التكنولوجيا في حياة 40 مليون أمريكي فقير في هذا البلد وهذه الثروة وهذه التكنولوجيا لم تستطع معالجة آلام هذه الشريحة من الناس في أمريكا".
ولقد أشار "فيليب الستون" في تقريره هذا إلى النقاط التالية:
• احتلت أمريكا المرتبة الـ 36 في العالم من حيث حصول الناس على مياه شرب نظيفة ومعدل فقر الشباب في أمريكا هو الأعلى بين جميع الدول الصناعية.
• تحتل أمريكا المرتبة الثالثة بين الدول الصناعية من حيث مؤشرات الفقر وعدم المساواة.
• تحتل أمريكا أعلى معدل بين البلدان الصناعية في مقياس "المعامل الجيني" الذي يُعدّ من المقاييس المهمة والأكثر شيوعاً في قياس عدالة توزيع الدخل القومي.
• تُظهر العديد من التقارير الإحصائية أن هناك أكثر من نصف مليون مشرّد يعيشون داخل أمريكا.
• على الرغم من انخفاض البطالة خلال فترة رئاسة "ﺗﺮاﻣب"، إلا أنه لم تكن هناك أي زيادة في معدل الأجور بما يتماشى مع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتبيّن جميع هذه التقارير أنه وخلافاً للاعتقاد السائد فإن حالة الفقر في أمريكا هي قصة واقعية. لكن لماذا تراجع المستوى المعيشي لدى سكان أمريكا وارتفعت معدلات التضخم خلال الحقبة الترامبية؟
إن أحد أهم العوامل التي أثرت على ارتفاع معدل التضخّم، يتمثل في السياسة الخارجية لأمريكا والتي كان لها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي وعلى سُبل معيشة السكان في هذا البلد وذلك لأن جزءاً كبيراً من عائدات الحكومة يأتي من دافعي الضرائب الذين يعيشون خارج أمريكا وفي الواقع إن ارتفاع معدل التضخم يعتبر واحداً من المؤشرات الاقتصادية التي تدل على أن الظروف الاقتصادية في عصر "ترامب" لم يتم إدارتها بشكل جيد، حيث زعم هذا الرئيس المتهوّر عقب توليه زمام الأمور في البيت الأبيض، بأنه ورث الخبرة في مجال السياسة الخارجية من سلفه وأنه سيقف ضد التوسّع الاقتصادي الصيني وسيواجه استعراض القوى الروسي ولكن للأسف الشديد من الناحية العملية لم تؤثّر إيماءات هذا الرئيس على هؤلاء المنافسين الشرسين.
ومن ناحية أخرى، أثّرت النظرة المتكبرة لـ"ترامب" في سياسته الخارجية والتي دفعته لتنفيذ مشاريع في مجال السياسة الخارجية لخفض التكاليف على أمريكا ولكن العديد من الخبراء أعربوا عن شكوكهم حول نجاح هذه المشاريع وعلى سبيل المثال، تعتبر مبادرة إنشاء "ناتو عربي"، أحد أهم الجهود الأمريكية التي تسعى من خلالها لخفض تكاليفها في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا ولكن الواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه الخطة وهذه المبادرة لن تنجح وذلك نظراً لوجود الكثير من الخلافات العميقة بين الدول العربية الأعضاء وعدم وجود قوات عسكرية كافية، بالإضافة إلى المصالح المتعارضة لهذه الدول العربية.
وإذا أضفنا إلى هذه العوامل بعضاً من القدرات التنافسية لروسيا والتي يبدو أنها استطاعت الوصول إلى صناعة الفضاء، فمن الواضح أنه على عكس الادعاءات التي قُدمت، فإن تكلفة السياسة الخارجية الأمريكية الباهظة في حقبة "ترامب" سوف يتحملها دافعو الضرائب الأمريكيون وفي هذا الصدد، أعلن وزير الدفاع الأمريكي عن إنشاء وحدة جديدة في إدارة الفضاء التابعة للجيش الأمريكي الأسبوع الماضي ووفقا لـ"جيمس ماتيس"، فمن المقرر أن تقوم هذه الوحدة العسكرية بمواجهة جميع التحديات الروسية والصينية في مجال الفضاء وفي وقت سابق، أعرب مسؤول أمريكي خلال قمة الفضاء التي عقدت في الأمم المتحدة في مدينة "جنيف" السويسرية عن مدى قلقه من التطور الروسي في مجال تطبيقات الليزر الفضائية وصرّح بأن البنتاغون قرّر التعامل مع هذه الإجراءات الروسية.
وبالنظر إلى جميع هذه العوامل، فكيف يمكن القول بأن تكاليف السياسة الخارجية شهدت انخفاضاً خلال الحقبة الترامبية! وبالتالي وعلى نقيض جميع الادعاءات المزعومة، فإنه يمكن اعتبار السياسة الخارجية الأمريكية في عصر "ترامب" واحدة من أكثر القطاعات تكلفة التي تحملتها الحكومة الأمريكية والتي من المرجّح أن تكون أحد أسباب ارتفاع التضخم وبالتالي انخفاض المستوى المعيشي للكثير من سكان أمريكا.