الوقت- عامان مرّا على الانقلاب الفاشل الذي حاول الإطاحة بحكومة أردوغان، هذا الانقلاب الذي لم يحقق أيّاً من أهدافه التي خطط لها مُنفذوه ومُخططوه غير أنّه شكّل عاملاً حاسماً في رسم السياسة الخارجية لأردوغان.
أحد أهم جوانب هذه السياسة هي العلاقة بين تركيا والغرب خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري والأمني، إذ تُعتبر تركيا واحدة من أبرز وأهم القوى العسكرية في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن في السنوات الأخيرة كانت العلاقات بين تركيا والحلف متوترة للغاية خصوصاً مع امتناع دول الحلف عن التضامن مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وفي الذكرى الثانية للانقلاب قال الرئيس التركي: "لن ننسى يوم الـ 15 من يوليو 2016، كما لن ننسى أولئك الذين صلوا لأجلنا وساعدونا بنقل الصورة"، واليوم أيضاً اعترف رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي السابق "خافيير سولانا" أن منظمة حلف شمال الأطلسي كانت على علم بالانقلاب في تركيا، ولم تخبر أنقرة بذلك، هذا التصريح يجعل من تأكيدات أردوغان بعد شهر من الانقلاب الفاشل الذي وصفه بأنه "سيناريو مخطط في الغرب" أقرب إلى الواقع من الدعاية السياسية.
مما لا شك فيه أن الطبيعة الإيديولوجية والإسلامية للحكومة التركية خلال عهد أردوغان بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها حزب العدالة والتنمية والرامية إلى الهيمنة على الشرق الأوسط من خلال القوة الناعمة (ودعم حركة الإخوان المسلمين في دول المنطقة)، والقضاء على الحاجة لتدخل القوى الأجنبية، تشكل جميعها أهم الأسباب ظهور التوتر بين أنقرة والغرب.
والسؤال الآن، مع تعزيز قوة أردوغان بلا منازع لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل وسيطرته على المشهد السياسي التركي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية 25 يونيو 2018، ما هو نوع التعاون بين تركيا وحلف الناتو في المستقبل؟، وهل الفجوات القائمة بين أنقرة وبروكسل تسير إلى التضخم أم إنها في طريقها إلى الاندثار؟.
من المؤكد أن قضية الأزمة السورية كانت واحدة من المجالات الرئيسية للصراع بين تركيا والغرب من حيث وجود مصالح وتهديدات مختلفة، فبينما تدعم قوات الناتو إضعاف الحكومة المركزية في سوريا وتعطي مزيداً من الدور لأكراد الشمال في مستقبل سوريا (بعد خيبة الأمل من تنفيذ مشروع تجزئة سوريا) في شكل الفيدرالية، حيث كان يُمثل الأكراد القوة الأهم والحليف الأكبر لأمريكا من أجل تنفيذ خططها في سوريا خلال السنوات الأخيرة.
ليس فقط تركيا لا تدعم مثل هذا المشروع، ولكنها أيضاً تتهم الأكراد السوريين بأنهم تابعون لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي تصفه أنقرة بأنه حزب إرهابي، كما قامت أنقرة بعمليتين عسكريتين كبيرتين على الأقل في سوريا وذلك لقمع قوات YPG على حدودها الجنوبية، كما أنّ أنقرة تعلم أنّه لن يتحقق أيًّ من مطالبها إلا في سياق محادثات آستانا، وتحوّلها نحو روسيا وإيران.
وبالإضافة لما سبق فإنّ التقارب بين تركيا وروسيا تحوّل إلى جزءٍ آخر من التوتر بين أنقرة وحلف شمال الأطلسي، ففي الوقت الذي يقوم به حلف الناتو وخاصة في قسمه الأوروبي بالضغط على روسيا في أكبر ضغط من نوعه منذ نهاية الحرب الباردة، فإن تركيا تؤمن بوجود سوء تفاهم، وأن العلاقة البنّاءة يجب أن تقوم على التفاهم المتبادل بين روسيا والناتو من أجل تحقيق السلام.
وبالإضافة لما سبق فإن تعاون تركيا مع روسيا وقرارها بشراء منظومة صواريخ S-400 من موسكو أدّى إلى استياء كبير من قبل حلفائها في حلف الناتو، إذ لا تتوافق منظومة S 400 مع آليات الدفاع التابعة لحلف الناتو والموجودة في تركيا، والتي تستخدم بشكل رئيسي المعدات الغربية، لكن السبب في قرار تركيا شراء S 400 هو النقص المتوقع في الإمدادات الدفاعية المُقدمة من قبل الحكومات الغربية، بالإضافة لمحاولة تركيا الحدّ من اعتمادها على أنظمة الناتو العسكرية.
إن انتقادات الحكومات الأوروبية ضد سياسات أردوغان الداخلية ووقوفه بوجه معارضيه، وما وصفه الغرب بعملية تقويض للديمقراطية وتقوية السلطوية في تركيا، أدّى إلى زيادة عدم ثقة أنقرة في الالتزام الغربي تجاه تركيا من حيث الدعم السياسي والعسكرية والأمني.
وفي النهاية فإنّ القلق التركي بات وبشكلٍ متدرج يتعاظم الآن خصوصاً مع الكشف عن علم الحكومات الغربية بخطة الانقلاب الفاشل، بالإضافة إلى إيواء الجهات الفاعلة والمساهمين في الانقلاب بمن في ذلك فتح الله غولن، لذلك على الرغم من أنّ تركيا ستواصل التعاون مع حلف الناتو في السنوات القادمة، غير أنّ أردوغان لن يضع كل بيضه في سلة الناتو، ومن المتوقع أن يزداد الصراع بين أنقرة وبروكسل خصوصاً مع تصدر أردوغان للمشهد السياسي التركي.