الوقت-هو التذمر الشعبي الذي ظهر من سوء الخدمات وفي مقدمتها طاقة الكهرباء، وتحوّل إلى ردّة فعل غاضبة بدى أنها تنبثق هنا وهناك آخذة في الاتساع يحفزّها تموز وحرارته، هي البصرة ثاني مدائن العراق وعاصمته الاقتصادية الثرية، ومن هنا يطلّ العراق على البحر، ومن هنا أيضاً ترى النفط ينتج ويصدّر بالعين المجردة، وبالعين ذاتها ترى تناقضاً قد يدفع إلى تقبّل انفجار الوضع إلى تظاهرات بعد صبر على مأساة دامت 27 عاماً في ظلّ حكم ديمقراطي كان وعوداً بعد وعود بتطوير الخدمات، وتتواصل لليوم السابع على التوالي النقمة الشعبية على السلطة الحاكمة الفاسدة التي لا تعرف سوى سرقة المال وتدمير ما أنجزه أبناء العراق بالقضاء على تنظيم داعش، هذه المظاهرات كانت تتسم بالسلمية إلى أن وصلت إلى حدّ اقتحام عدد من المرافق الحكومية وإحراقها، مظاهر دفعت البعض إلى القول إن الأمور خرجت عن السيطرة، فيما تزايدت التحذيرات من وجود مندسين قد يحاولون استثمار خطاب المرجعية الدينية المتعاطف مع صرخة الجنوب لمصلحتهم.
مواقف المرجعية والكتل السياسية
أعلنت المرجعية الدينية ومختلف الكتل السياسية وقوفهم إلى جانب المطالب الشعبية المحقّة مطالبين بالحفاظ على سلمية المظاهرات وعدم التعرض للأملاك العامة، وفي هذا السياق عبّر المرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني عن تضامنه مع المحتجين في عدد من محافظات الجنوب العراقي، وقال إنهم يواجهون "النقص الحاد في الخدمات العامة" مثل الكهرباء وسط درجات حرارة خانقة في الصيف.
كما وأعلنت المرجعية الدينية العليا في العراق على لسان ممثلها في كربلاء المقدسة "الشيخ عبد المهدي الكربلائي" أن ما "نشهده هذه الأيام في محافظة البصرة هو احتجاجات شعبية تعبّر عن مطالب الكثير من المواطنين الذين يعانون من النقص الحاد في الخدمات العامة ونقص المياه والكهرباء وانتشار البطالة وقلّة فرص العمل والكسب اللائق وعدم كفاءة معظم المؤسسات الصحية بالرغم من ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض الصعبة في المحافظة".
وتابع "لا يسعنا إلا التضامن مع المواطنين في مطالبهم المحقّة مستشعرين معاناتهم الكبيرة ومقدّرين أوضاعهم المعيشية الصعبة وما حصل من تقصير واضح من قبل المسؤولين سابقاً ولاحقاً في تحسين الأوضاع وتقديم الخدمات لهم بالرغم من وفرة الإمكانات المالية حيث إنهم لو أحسنوا توظيفها واستعانوا بأهل الخبرة والاختصاص في ذلك وأداروا مؤسسات الدولة بصورة مهنية بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات ووقفوا بوجه الفساد من أي جهة أو حزب أو كتلة لما كانت الأوضاع مأساوية كما نشهدها اليوم".
وطالب الكربلائي "المواطنين ألّا تدفع بهم النقمة من سوء الأوضاع لاتباع أعمال غير سلمية وحضارية في التعبير عن احتجاجاتهم وألّا يسمحوا للبعض من غير المنضبطين أو ذوي الأغراض الخاصة في التعدّي على مؤسسات الدولة والأموال العامة أو الشركات العاملة بالتعاقد مع الحكومة العراقية ولا سيما أن كلّ ضرر يصيبها سيعوّض من أموال الشعب نفسه".
بدورها، أكدت كتلة سائرون على لسان مرشحها رامي السكيني، زيارة وفد من التيار الصدري البصرة للقاء ممثلين عن متظاهري المحافظة تمهيداً لنقل مطالبهم إلى زعيم التيار "مقتدى الصدر"، وقال السكيني في تصريح صحافي له يوم أمس: "إن الوفد مستعد للقاء أي ممثل عن المتظاهرين، سواء شيوخ العشائر أم الوجهاء أم اللجان الشعبية للاستماع إلى المطالب الحقيقية والمشروعة تمهيداً لنقلها إلى الصدر للنظر بها".
كما ودعا السيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة في بيان له "الحكومة إلى ضرورة الإسراع بتنفيذ المطالب المشروعة للمتظاهرين في محافظة البصرة وعدد من المحافظات الأخرى المطالبين بتحسين الواقع الخدمي وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد".
وفي السياق شدد رئيس تحالف "الفتح"، هادي العامري، على ضرورة الإسراع بتنفيذ المطالب المشروعة للمتظاهرين في محافظة البصرة وعدد من المحافظات الأخرى مطالباً المعتصمين والمتظاهرين بالحفاظ على سلمية المظاهرات وعدم التعرض للممتلكات العامة التي هي ملك لهم وليس لها علاقة باستفحال الفساد في مؤسسات الدولة.
وإثر هذه الضغوط عقد العبادي سلسلة لقاءات مع المحافظ أسعد العيداني، والمدير العام لشركة توزيع كهرباء الجنوب، والمدير العام لشركة نفط البصرة، أدت إلى اتخاذ مجموعة من التوجيهات والقرارات التي تصبّ في مصلحة المحافظة وأهلها إلا أنه فشل في مهمته، بل إن وجوده أدّى إلى ازدياد النقمة الشعبية مع محاصرة المتظاهرين مقرّ إقامته في فندق "شيراتون" في المحافظة، واضطراره إلى الخروج من بابه الخلفي.
ختاماً، لقد ازداد الأمر سوءاً ووقف الجميع عند منعطف خطير ولا شك أن الأمر يحتاج إلى تحرّك سريع لتطويق الأزمة على أن معاناة البصرة ليست مقصورة فقط على الكهرباء، فشكواها من تلوث الماء أزلية رتيبة قد يقال في ذلك الكثير عن أن الدخول على خط الأزمة وتصعيدها كان ردّاً على نشوء تحالفات حزبية ضد كتلة بعينها فردّت بتحريك الأزمة، وقد يقال إن التظاهرات اندلعت بوحي من تصعيد واشنطن ضد طهران في الخليج الفارسي، وقد تقاطعت الحكومة والفعاليات السياسية في حق التظاهر، وتقاطعت أيضاً في رفض الأضرار على أيدي من تأكد أجهزة الدولة أنهم مندسون فثمة من دخل على خط الأزمة واستغل الاحتجاجات ليبقى ظل المؤامرة ماثلاً يؤكده ما زاد على طلب الحقوق وتجاوزه.