الوقت- تسعى أمريكا للتوصل لإتفاقٍ مع إيران، لكن السعي الأمريكي يمكن وصفه بـ "مكرهٍ أخاك لا بطل". فواشنطن والتي وضعت خطوطاً حمراء لمصالحها في الشرق الأوسط، عاجزةٌ عن الحفاظ على مكانتها في المنطقة، مما يجعلها عاجزةً أكثر على فرض شروطها. وهو الأمر الذي يبدو أنه يجعل التفاوض الأمريكي مع إيران أمراً صعباً. لا سيما حينما يتم الحديث عن الإصرار الإيراني الواضح ومنذ البداية، والمُتعلق تحديداً بمسألة إزالة العقوبات. إذ يبدو وبوضوح أن أمريكا لم تكن تتوقع أن المفاوضات مع إيران، ستزيل من أيديها أوراق الإبتزاز التي ظلت تستخدمها لا سيما مسألة العقوبات. فكيف يمكن وصف حال واشنطن وإرتباكها بين مصالحها وأهمية التوصل لإتفاق مع طهران؟
خطوط واشنطن الحمراء:
وضعت أمريكا لمصالحها في الشرق الأوسط عدداً من الخطوط الحمراء التي تسعى لأخذها بعين الإعتبار أمام أي تحولٍ أو تغييرٍ في المنطقة. إذا تعتبر واشنطن ذلك، أساساً لبقائها. ويمكن تحديد هذه الخطوط الحمراء بالنقاط التالية:
- دعم الحلفاء الإستراتيجيين والشركاء المركزيين، وتحديداً الدول الخليجية خصوصاً السعودية، الى جانب تعزيز أمن الكيان الإسرائيلي.
- حماية التدفق الحر للغاز والنفط إلى الإقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يشكل الأولوية الإقتصادية لواشنطن في المنطقة. والسبب الحقيقي الخفي لحروبها في الشرق الأوسط.
- مكافحة الإرهاب بحسب ما تدعي أمريكا، والتخفيف من مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وبغض النظر عن حقيقة النوايا الأمريكية المتعلقة بهذه المصالح، تجد واشنطن نفسها اليوم أعجز بكثيرٍ من ذي قبل، على فرض مصالحها، وضمان تحقيق شروطها. فأمام تراجع النفوذ تُخفق الدول في فرض الشروط. بل إن قوة الطرف الإيراني وقدرته على فرض شروطه لا سيما الأمور المتعلقة بمسألة إزالة العقوبات، يجعل الطرف الأمريكي يرى في نتائج المفاوضات خسارةً فادحةً له. وهو الأمر الذي يبدو أنه إنعكس على التجاوب الأمريكي، ومحاولته إعطاء الأمور وقتاً أكثر.
أسس التعاطي الأمريكي مع مسألة التفاوض:
ركزت أمريكا في تعاطيها مع إيران ومن خلال التفاوض، على أمرين أساسيين، من أجل تحقيق أهدافها من المفاوضات. وبمجرد عرض هذه الأمور وتحليلها، يبدو جلياً أن الطرف الأمريكي يُخطئ في حساباته، بل في فهمه للطرف الإيراني المقابل. وهنا ذكرٌ للأسس وتحليلها:
- إن مسألة التحقق من التخصيب وكيفية التعاطي معها، الى جانب التركيز على التخلص مما يُسمى "اليورانيوم المخصب من دون ترخيص" هو من الأسس التي تسعى واشنطن لضمان مراقبتها. لكن إيران وعلى ما يبدو لم يكن لديها مشكلة أساساً في هذه المسألة. فقد أثبتت طهران قيامها بالتجاوب مع شروط وكالة الطاقة الذرية، على عكس إتهامات أمريكا والغرب. وهو الأمر الذي دحضته طهران من خلال دبلوماسيتها الهادئة خلال الفترة السابقة، وما قبلها، عبر تقديم الأدلة والبراهين على إلتزام طهران بالمعايير الدولية. وفيما يتعلق بمسألة الرقابة بعد الإتفاق، أصرت طهران على أنه لا مشكلة بالقيام بالتحقق، لكن ضمن قاعدة الإحترام. أي أنه لا تحقق دون إذنٍ إيراني، وهو الأمر الذي يُعتبر حقاً للدول من منطلق ضمان شرعيتها وسيادتها.
- وفيما يتعلق بالأساس الثاني، الذي ركزت عليه واشنطن، هو حالة فرض العقوبات. فالإصرار الأمريكي على العقوبات هو عبارة عن الإصرار على الورقة الأخيرة لإبتزاز طهران. إذ أن إيران ومن دون عقوبات، لا يمكن قهرها. بل إن إحدى المشكلات التي تعاني منها أمريكا اليوم، هو أن إيران وفي ظل العقوبات، أصبحت أقوى على الصعيد الداخلي لا سيما فيما يتعلق بمسألة الإكتفاء الذاتي بناحيتيه الإقتصادية والعلمية. لكن لا شك أن إيران عانت من العقوبات الإقتصادية لا سيما المالية. وهو الأمر الذي تسعى واشنطن لترسيخه كواقعٍ قائمٍ في الإتفاق النووي. لكن الواضح أن ذلك يواجه إصراراً إيرانياً على إزالة العقوبات، مما يُصعب المسألة على واشنطن.
قراءة في النتائج:
على قاعدة أن القوة تظهر في النهاية، فإن عرض العضلات الأمريكي يبدو أنه لن ينتهي كما تشتهي واشنطن. فأمريكا الساعية للإتفاق، تشعر أن الأمور ذاهبةٌ الى نهايةٍ قد تضر بمصلحتها، في ظل ذكاء إيرانٍ ومعرفتها، للطريق التي يجب أن يسلكها الإتفاق. وهو الأمر الذي يجعل واشنطن تناور في الوقت، لعلها تستطيع إنتزاع تنازلٍ إيراني.
فأمريكا سعت ومن خلال التفاوض، لترسيخ واقعٍ قائمٍ على فرض عدم التقدم النووي لطهران في تخصيب اليورانيوم، لضمانة عدم الوصول لإمتلاك السلاح النووي. وهو الأمر الذي لم يكن يوماً هدفاً لطهران. ومن جهةٍ أخرى سعت واشنطن لترسيخ واقعٍ من العقوبات يمكن لأمريكا من خلالها، إبتزاز إيران في مسائلها الداخلية والخارجية. وهو الأمر الذي تعاطت معه طهران منذ البداية على قاعدة "الفصل". أي أنه لا ربط بين المفاوضات النووية والملفات السياسية الأخرى.
وبالتالي فيمكن القول، إن إيران مشت في طريقها ومنذ البداية واضحة الأهداف والنوايا، قادرةً على التنازل وفرض الشروط كيفما تشاء، فيما مشت أمريكا الى المفاوضات، مُلتبسة الأهداف غامضة النوايا، لا تملك أوراق قوة ومُجبرة على التنازل. وهنا فإن الفرق كبيرٌ بين الطرفين. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن التوصل الى إتفاقٍ نوويٍ لن يكون إلا في رضا الطرف الإيراني، مما يعني أنه لن يكون في صالح أمريكا على الإطلاق. لتكون المفاوضات النووية بحقيقتها، حرباً جديدةً بين إيران وعدوها الأكبر، وليس باباً لبناء العلاقات كما يقول البعض. لذلك ومهما كانت النتيجة، فالواضح أن أمريكا هي الخاسرة.