الوقت - لا ننكر بأن السعودية أخذت واجهة الحرب على اليمن وتم تحميلها كل الدمار والخراب والجوع والفقر الذي حلّ باليمن، لكنها لم تكن وحيدة في هذا المضمار، فقد كان لها شريك قوي يشاطرها الإجرام والعنف ضد أبناء اليمن ولاسيما جنوب هذا البلد المقاوم.
الإمارات حاولت الحفاظ على صورتها في المشهد اليمني والعالمي نقية خالية من أي شوائب، وكانت تعتمد مبدأ الخفافيش جنوب اليمن تقتنص فريستها بعيداً عن الأضواء، ونجحت إلى حدود معينة في هذه السياسة الماكرة لكنها اليوم تقف مع كل أموالها عاجزة أمام كثرة التقارير القادمة من الشرق والغرب ومن عدن بالتحديد عن الانتهاكات التي تمارسها أبو ظبي بحق مواطني اليمن الآمنين هناك، ابتداءً من احتضان ميليشيات وتدريبها لإثارة القلاقل والمضي قدماً في ترسيخ سياسة الإمارات هناك ورغبتها في السيطرة والتوسع على البحر الأحمر، مروراً بقتل المدنيين وتهجيرهم من منازلهم ومنعهم من العودة إليها واعتقال من يرفض منهم ذلك، وصولاً إلى مسلسل السجون الذي بدأت فيه أبو ظبي مع بداية دخول مرتزقتها الأراضي اليمنية والتي وصل عددها اليوم إلى 18 سجناً، نافست فيها وحشية سجون أبو غريب ولكن هذه المرة السّجان ليس أجنبياً وإنما من أبناء هذا الوطن الكبير.
توزّعت سجون الإمارات في اليمن على الشكل التالي:
- ثلاثة سجون سرية تحت الأرض على عمق خمسة أمتار في مقر قيادة "التحالف العربي" في البريقة غرب عدن.
- سجن بئر أحمد، الذي تتحكم فيه قوات أبو ظبي، والذي يتبع أحد المنشآت العسكرية، وهو سجن موجود في مزرعة يملكها شيخ قبلي من قبيلة العقربي ريف عدن الغربي.
- سجن الريان، ويقع في مباني مطار المكلا بحضرموت، والذي أغلقته قوات التحالف وحولته لمقرّ عسكري وسجن سري يحتجز فيه المئات من اليمنيين.
- سجون أخرى منها سجن قاعة وضاح ويديره يسران المقطري، وسجن "المنصورة" ويديره نقيب اليهري، إضافة إلى سجون أخرى تتوزّع على كل مواقع سيطرة الإمارات والقوات التابعة لها في المناطق المحررة من اليمن.
حاولت الإمارات مراراً وتكراراً وبكل وسائلها الممكنة من إعلام وأجهزة مخابرات منع انتشار أي معلومات عن هذه السجون وماذا يجري فيها، لكن أصوات المعذبين في هذه السجون وصلت إلى الماكينات الإعلامية التي لم ترضخ جميعها للمال الإماراتي، وبدأت تتسرّب المعلومات عمّا يجري هناك حتى من قبل المسؤولين اليمنيين أنفسهم ومن خلال هفوات المسؤولين الإماراتيين الذين لم يتمكّنوا من إبقاء هذا الموضوع سرّاً أكثر من ذلك.
ماذا يجري في هذه السجون؟!
في نهاية الشهر الفائت كشفت وكالة أسوشيتد برس في إحدى تحقيقاتها عن وجود 18 سجناً سرياً تديرها قوات إماراتية في اليمن، وقالت الوكالة إنها وثّقت وتحققت من حوادث لاختفاء مئات الأشخاص في هذه السجون السرية بعد اعتقالهم بشكل تعسفي في إطار ملاحقة أفراد تنظيم القاعدة.
وبحسب المعلومات التي أوردتها الوكالة، فإن هذه السجون كانت تشهد حالات تعذيب وحشية تصل إلى حد "شواء" السجين على النار، إضافة إلى اعتداءات جنسية، ونقلت عن محتجز سابق اعتقل ستة أشهر في مطار ريان سماع صرخات المعتقلين وأجواء الخوف فضلاً عن إصابتهم بالأمراض، مشيرة إلى أن أي شخص كان يشكو يؤخذ إلى غرفة التعذيب.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد أقر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاغون" بأن واشنطن شاركت في استجواب محتجزين في هذه المعتقلات السرية، التي تشرف عليها قوات يمنية وإماراتية، وبأنها تستطيع الوصول بشكل دائم إليها، وهو ما قد يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي.
كيف انتشرت الأخبار عن السجون؟!
الأهالي، المسؤولون، المنظمات الدولية
أعداد المعتقلين في السجون الإماراتية في اليمن وصلت إلى حدود لا تطاق، ما اضطر الأهالي لمناشدة المسؤولين للإفراج عن أبنائهم، وخلال الفترة الماضية ظهرت سيدة يمنية في مقطع يتداوله نشطاء مواقع التواصل في اليمن بكلمات يغالبها البكاء، تناشد الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يعيد لها جثة ابنها الذي اختطفته قوات مدعومة من دولة الإمارات في عدن قبل أشهر، وبدلاً من عودة فلذة كبدها، وصلتها صورة مسربة لجثته وعليها آثار تعذيب.
ولم تتوقف هذه السيدة هي ومئات الأمهات والزوجات عن التظاهر في عدن للمطالبة بعودة أبنائهن وأزواجهن الذين اختطفوا من قوات تابعة للإمارات، ولم يعثر عليهم في أي سجون رسمية في البلاد.
وقبل يومين، عادت العشرات من العائلات للتظاهر أمام منزل وزير الداخلية أحمد الميسري احتجاجاً على نفي نائبه ناصر لخشع الأحد الماضي وجود أي سجون سرية في المناطق المحررة في اليمن، تصريحات لخشع أسعدت الإماراتيين الذين حاولوا مراراً وتكراراً إخفاء هذه السجون والتستر عليها وإظهارها على أنها خالية من المعتقلين.
وأطلق ناشطون على مواقع التواصل وسم #أين_ولادنا_يالخشع، عبروا فيه عن غضبهم لنفي وجود السجون السرية مع استمرار اختفاء المئات من اليمنيين فيها.
وبعد أن نفى المسؤولون الإماراتيون موضوع السجون طالب الوزير الميسري يوم الاثنين أثناء استقباله وزير الدولة الإماراتي لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي بحل أزمة السجون السرية.
من جانبها أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" يوم الخميس الفائت، أن الإمارات احتجزت تعسفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية لافتة إلى أن الإمارات تموّل وتسلّح وتدرّب هذه القوات التي تحارب في الظاهر الفروع اليمنية لتنظيم القاعدة أو تنظيم "داعش".