الوقت - مازال تدفق اللاجئين نحو القارة الأوروبية متواصلاً بشكل لافت منذ نحو سبع سنوات، ومعظم هؤلاء اللاجئين هم من القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.
وتسببت هذه الأزمة بالكثير من الخلافات بين القادة الأوروبيين لأن بعضهم يرفض استقبال اللاجئين في بلاده لاعتقاده بأنهم يتسببون في خلق معضلات داخلية على كل الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، خصوصاً في ظل المخاطر التي نجمت عن عودة الكثير من العناصر الإرهابية والمتطرفة من بلدان مختلفة إلى الدول الأوروبية.
في هذا السياق اعتبر رئيس البرلمان الأوروبي "أنطونيو تاياني" أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون في خطر كبير إذا ما فشل في حل مشكلة الهجرة، مضيفاً: "الهجرة تمثل أكبر تحدٍ بالنسبة لنا، فمستقبل الاتحاد الأوروبي بعينه على كفّ عفريت".
ولفت تاياني إلى أن حل مشكلة الهجرة مستحيل في ظل غياب موقف أوروبي مبني على استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى في هذا المجال، مشيراً إلى ضرورة تخصيص مبلغ قدره 6 مليارات يورو لوقف تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا.
من جانبه قال رئيس الوزراء الإيطالي إن بلاده ترفض استقبال المهاجرين العائدين من البلدان الأوروبية الأخرى، وقال "جوزيبي كونتي" بعد لقائه رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي "دونالد توسك" إنّ روما لن تناقش موضوع استقبال المهاجرين العائدين من البلدان الأوروبية الأخرى دون إيجاد حل لهذا الموضوع خلال القمة المصغرة التي ستسبق قمة الاتحاد الأوروبي العادية المقرر عقدها في بروكسل يومي 28 و29 حزيران/يونيو الحالي.
ومن المفترض أن يشارك في القمة المصغرة عشرة قادة أوروبيين على الأقل، في مقدمتهم المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" والرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون".
وكان وزير الداخلية الألماني "هورست زيهوفر" قد منح ميركل مهلة لمدة أسبوعين لوضع حل لملف الهجرة والتوصل إلى اتفاق مشترك مع الدول الأوروبية، حيث بات بقاء المستشارة الألمانية في منصبها مهدداً نتيجة لتلك الانقسامات السياسية والإنذارات التي تطولها بسبب سياستها في هذا الملف.
ويتزامن ذلك مع الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت، الأسبوع الماضي، بين فرنسا وإيطاليا إثر خلاف حول سفينة أكواريوس للمهاجرين التي رفضت روما استقبالها على الرغم من التشريعات الأوروبية التي تنصّ على ضرورة استقبال البلاد الأوروبية لسفن اللاجئين التي تكون في مياهها الإقليمية.
وفيما تعوّل ألمانيا وفرنسا كثيراً على القمة الأوروبية المصغّرة حول اللجوء، أعلنت "مجموعة فيسغراد" مقاطعتها لها وشككت في شرعيتها. وتتبنى هذه المجموعة التي تضم (المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولندا) خطّاً متشدداً في ملف الهجرة وترفض آلية التوزيع الإلزامي للّاجئين.
من جهته قال رئيس الوزراء البولندي "ماتيوش مورافيسكي" إن "القمة المصغرة غير مقبولة، فهم يريدون إعادة تحريك مقترح قديم سبق لنا رفضه"، وذلك في إشارة إلى آلية التوزيع الإلزامي لطالبي اللجوء على الدول الأوروبية.
وجاء في وثيقة عمل مؤقتة أن على المشاركين في القمة المصغرة التعهد باعتماد "آلية تضامن فعّالة" مع توزيع إلزامي للاجئين والمهاجرين بين مختلف الدول الأعضاء، وهو مقترح ترفضه دول فيسغراد منذ أكثر من عامين.
وكانت روما قد لوّحت بمقاطعة القمة المصغرة، واعتبرت أن البيان الختامي المعدّ مسبقاً لا يأخذ مطالبها في الاعتبار فيما يتعلق بموضوع الهجرة.
وفي وقت سابق أكد المستشار النمساوي أن توزيع اللاجئين على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وسيلة غير مناسبة لحل الأزمة.
وقال "زيباستيان كورتس": "علينا ألّا نقنع أنفسنا بأننا نحل مسألة الهجرة بهذا التوزيع"، وأضاف إن الاتحاد لم ينجح في السنوات الأخيرة في توزيع سوى 30 ألف لاجئ فقط على دول الاتحاد.
واعتمد الاتحاد الأوروبي قراراً منتصف عام 2015 حدّد من خلاله حصة اللاجئين لكل دولة أوروبية، وذلك بهدف تخفيف الأعباء عن إيطاليا واليونان، أول محطة للاجئين في طريقهم لأوروبا.
وكان هذا القرار يهدف لتوزيع ما يصل إلى 120 ألف لاجئ من دول مختلفة، وتقدمت المفوضية الأوروبية مطلع العام الحالي بدعوى لدى محكمة العدل الأوروبية في "لوكسمبورغ" لأن التشيك وبولندا والمجر رفضت إيواء اللاجئين في إطار هذا البرنامج.
وكانت منظمة العفو الدولية انتقدت الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة الذي يسمح بإعادة اللاجئين الذين يصلون البر الأوروبي إلى تركيا في حال رفضت الأخيرة طلبات اللجوء التي يتقدمون بها، فيما شددت الأمم المتحدة على أهمية تعزيز السلوك الإنساني في التعامل مع طلبات اللجوء من قبل كل الدول الأوروبية، واصفة الامتثال لهذا الأمر بالضروري والحيوي.
ووسط الخلافات المتنامية بين الدول الأوروبية حيال قضية اللاجئين، لم يستبعد وزير الداخلية الإيطالي "ماتيو سالفيتي" تفكك الاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور.
واعتبر سالفيني في حديث لمجلة "شبيغل" الألمانية أن مستقبل الاتحاد بات على المحك وستتحدد ملامحه خلال السنة المقبلة، وقال: "خلال عام واحد سيتضح ما إذا كان سيبقى هناك أوروبا موحدة".
وأشار المسؤول الإيطالي إلى أن العديد من القرارات الخاصة باللاجئين تتوقف على نتائج المفاوضات المرتقبة حول ميزانية الاتحاد والانتخابات في البرلمان الأوروبي المقررة عام 2019.
من خلال هذه المعطيات وغيرها يرى الكثير من المحللين بأن أزمة اللاجئين لا يمكن حلّها سوى في إطار أوروبي شامل، لكن يبدو أن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال، لأن مشروع توزيع المهاجرين يصطدم بصخرة الحسابات الخاصّة للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.