الوقت- تحظى السعودية بسمعة غير جيّدة في المنطقة والعالم من ناحية إحترامها لحقوق الإنسان، رغم غض الطرف الغربي عن كافة الإنتهاكات التي يرتكبها النظام الحاكم بحق المواطنين. ويقدر عدد السجناء السياسيين في السعودية بحوالي 30.000 معتقل وفق تقرير أصدرته البي بي سي في العام 2011.
وساهم التحالف القائم بين السعودية وحلفيها الأقوى أمريكا منذ 70 عاماً، في تغييب إنتهاكات الأولى رغم كثرتها وقسوتها عن المحافل الدولية، حيث لم يُسمع من المسؤولين الأمريكيين أي صوت على الإطلاق تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها حليفتها الشرق أوسطية.
في المقابل لم تتوان الرياض عن التعامل بحزم مع كافة المنتقدين لحقوق الإنسان، حيث عاقبت السويد التي تعتبر من الدول القليلة التي تجرّأت على المواجهة بإجراءات عدّة تبدأ بسحب سفيرها من ستوكلوهم، ولا تنتهي بإستخدام رجال الأعمال السويديين كوسيلة ضغط على بلادهم من خلال إيقاف منحهم تأشيرات لزيارة السعودية، أو عدم تجديد تلك التي حصل عليها العاملون السويديون في الرياض.
السجن السياسي
رغم غياب أي معنى واضح للجريمة السياسية أو السجناء السياسيين في ظل نظام عائلي يمنع الأحزاب السياسية أو العملية السياسية الديمقراطية، لم يستثن وباء "الإعتقال السياسي" أي طيف من المجتمع السعودي، ليس المعارضين فحسب بل حتى أولئك الذين يبدون إعتراضات مخفّفة لبعض سياسات الحكومة والأمراء السعوديين. فقد نسمع ببعض السجناء السياسيين أمثال الشيخ نمر باقر النمر، إلا أن هناك الآلاف من السجناء غابوا أو غُيّبوا عن الساحة الإعلامية بسبب القبضة الحديدية لقوات الأمن السعودي، ما دفع بالبعض أمثال الدكتور محمد المسعري والدكتور سعد الفقيه للمواجهة من الخارج (لندن).
ولا تتوانى السلطات السعودية عن إستغلال أي حادث داخلي أو خارجي لتمارس سياسة "الإعتقال التعسفي" تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، فبعد أحداث 11 سبتمبر، وأثناء الغزو الأمريكي للعراق، وأخيراً مع بدء ما يسمى بالربيع العربي قامت قوات الأمن السعودي بالزج بمئات (تقدّر بعض التقارير بالآلاف) الأفراد في زنازينها. فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت السلطات السعودية في 2 شباط/فبراير2007 بتنفيذ حملة واسعة من الاعتقالات، وصفت إعلامياً بـ "عملية ناجحة لمكافحة الإرهاب"، إلا أنه في واقع الأمر، كان ضحايا هذه المداهمات جمع من الأكاديميين، ونشطاء الحقوق، أبرزهم الدكتور سعود الهاشمي والدكتور موسى القرني والدكتور سليمان الرشودي. فالدكتور سعود الهاشمي طبيب يعمل في جدة، وأحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز، وهو من المدافعين عن حقوق الإنسان لزمن طويل، وقد عمل لحماية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وقد نادى بالإصلاح الدستوري والحقوق الديمقراطية. إلا أن أحد تسجيلاته التي دعا فيها الأكاديميين وعلماء الدين لتأسيس مكاتب ومراكز أبحاث مستقلة وشفافة، بغية تكوين مشهد اجتماعي يتسم بالانفتاح، أغضبت الداخلية السعودية التي بدورها إستخدمت هذا التسجيل كبينة لتوجيه تهم بـ“الفتنة” و“الدعوة لقلب نظام الحكم” ضد الهاشمي.
ولم يمنع الصمت الدولي عن "الجريمة المغيبة" منظمة العفو الدولية من إنتقاد السياسات السعودية تجاه السجناء وأوضاعهم المأساوية، معتبرةً أن خطوة الملك سلمان بالعفو للسجناء السعوديين المدانين بتهم تتعلق "بالحق العام" - مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن إيكال شروط العفو للداخلية السعودية أشبه بأن "تعهد للثعلب بحراسة قن الدجاج". وأدرجت المنظمة بعض أسماء سجناء الرأي في السعودية ممن يقبعون وراء القضبان بسبب أنشطتهم السلمية. ويشمل هؤلاء: رائف بدوي، ووليد أبو الخير، والشيخ سليمان الرشودي، والدكتور عبد الله الحامد، والدكتور محمد القحطاني، والدكتور عبد العزيز الخضر، ومحمد البجادي، وفوزان الحربي، والدكتور عبد الرحمن الحامد، وصالح العشوان، وعمر السعيد، وفاضل المناسف، ولجين الهذلول، وميساء العمودي.
يتضح من خلال هذه الأسماء أن قوات آل سعود تستهدف الطبقة المثقّفة التي تنادي بلسان العلم والقانون، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود!
بين الإعتقال السياسي والإداري
تتقاطع اجراءات الإعتقال السياسي في السعودية بشكل كبير مع سياسة "الإعتقال الإداري" الذي ينفذه الكيان الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، فالاعتقال الإداري يعتبر إجراءً يلجأ إليه الكيان الإسرائيلي لاعتقال المدنيين الفلسطينيين دون تهمة محددة، ودون محاكمة، مما يحرم المعتقل ومحاميه من معرفة أسباب الاعتقال، ويمنعه من بلورة دفاع قانوني فعال ومؤثر، وكذلك الإعتقال السياسي في السعودية حيث يُنفذ الإجراء دون تهمة محددة، ودون محاكمة، لا بل يعتبر الأخير أشد وطأة في ظل غياب كامل للإجراءات القانونية اللازمة، واستمرار التمييز المُمنهج ضد النساء والأقليات الدينية.
في الخلاصة، رغم كافّة الإجراءات القمعية للنظام السعودي في ظل تخاذل دولي يمنع التعرّض للجلاد، يتوجّب على آل سعود أن يتعظوا من دروس الأحداث الأخيرة التي أطاحت بطغاة المنطقة، واحداً تلو الآخر، خاصةً أن السياسات القمعية لم تكن على طوال التاريخ في صالح منفذيها. عملياً، يتوجب على السلطات السعودية وخاصةً بعد فضائح ويكليكس الاخيرة، إطلاق سراح السجناء السياسيين في شتى أنحاء البلاد، أو إجراء محاكمات علنية وعادلة تقتص من "المجرم" و تتيح للمتهمين الدفاع عن أنفسهم، لأن التعنت لن يكون في صالحها في ظل تحديات داخلية وخارجية جمّة قد تطيح بالسعودية بعد أن تجعل عاليها سافلها.