الوقت- الاقتصاد التركي يتخذ مساراً تنازلياً متسارعاً خلال هذه الأيام، وما هبوط سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار إلا مثال حي على ما يجري داخل تركيا، وهذا حتماً لن يكون في مصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسعى للفوز في الانتخابات المقبلة والتي ستبدأ جولتها الأولى في الـ "24" من هذا الشهر.
أردوغان الذي يحكم تركيا منذ أكثر من 15 عاماً ولدى حزبه أغلبية برلمانية، يحاول جاهداً الحفاظ على هذه المكاسب والميزات، من خلال العمل على إنقاذ الليرة التركية من السقوط قدر الإمكان وطرح حلول في هذا المضمار، لكنها حتى اللحظة لم تجدِ نفعاً، وفي محاولة منه للملمة الموقف بدأ يعمل على إعادة كسب الشارع التركي من خلال تعهده بإطلاق "مقاه شعبية" - كيراثان باللغة التركية - والتي ستقدم مجاناً "كعك وشاي وقهوة" على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في جميع أنحاء تركيا، ولكن إلى أي مدى سيجدي هذا الكلام نفعاً؟!.
نظرية المؤامرة
عادت نظرية المؤامرة بقوة إلى الخطاب السياسي والشعبي في تركيا، وقد يكون ذلك صحيحاً وقد يكون لأردوغان يد في نشرها للتعتيم على ما يجري وتبرير السياسة الاقتصادية التي خلقت أوضاعاً اقتصادية متدهورة في البلاد، علماً أن الحكومة لم تكن تسوّق لهذه النظرية في مطلع القرن الحالي، عندما كانت تسعى إلى توسعة دائرة علاقاتها مع العالم الخارجي، وخاصة مع الغرب، وعندما شهد الاقتصاد ازدهاراً.
لكن اليوم خطاب العدالة والتنمية تغيّر وبدأ يبرر عجزه في وضع حدّ لانهيار الاقتصاد إلى المؤامرة الغربية على بلاده، في هذا السياق خاطب أردوغان شعبه معتبراً أن الانخفاض الحادّ في قيمة الليرة هو "أحدث مؤامرة" للإطاحة به من السلطة، محذراً من أن "المتآمرين لم يستطيعوا فعلها بالدبابات، فيحاولون الآن بالوسائل المالية"، مناشداً الشعب تحويل العملات الأجنبية إلى ليرة أو ذهب من أجل تحفيز الاقتصاد، ولم تمر بضع ساعات حتى امتلأت الصحف الموالية للحكومة التركية بمهاجمة الذين يشترون الدولار واليورو بدلاً من بيعهما، واتهمتهم بالتآمر ضد الرئيس، ليتجه عدد كبير من أصحاب الأعمال الصغيرة لتنفيذ طلب أردوغان، ليقوم بمكافأة من يثبت أنه قام ببيع العملات الأجنبية مقابل شراء الليرة.
لكنها لم تجدِ نفعاً أيضاً، وبدأ المستثمرون يغادرون البلاد، وقد يكون لأردوغان يد في ذلك من خلال حديثه مع صحيفة بلومبيرج في 14 مايو/أيار الماضي، وادعاءاته المتكررة حول أسعار الفائدة بأنها "أصل كل الشرور"، رغم أن الأموال الساخنة -التي يعلم الرئيس جيداً أنها المصدر الأول لتمويل عجز الحساب الجاري- تأتي من أجل أسعار الفائدة في الأساس، لذا، وبعد مقابلته مع بلومبيرج انخفضت قيمة الليرة والسندات التركية في اليوم التالي مباشرة بسبب خوف المستثمرين مما قاله، ومن ثم ارتفعت مخاطر الائتمان.
وبعد ذلك حاول أردوغان استدراك الموقف عبر تمرير قرارات صادرة عن البنك المركزي، كان آخرها في السابع من يونيو، حيث خرج البنك بقرار يفيد برفع سعر الفائدة التركية بواقع 125 نقطة أساس، وقوبل بترحيب من المستثمرين، وكانت خطوة جيدة للحدّ من التضخم المرتفع جداً في تركيا " وصل إلى 12.2 بالمئة في مايو وينتظره المزيد من الارتفاع في الأشهر المقبلة".
لماذا ينهار اقتصاد البلاد
في الواقع إن أردوغان بنى رصيده السياسي على إنجازات اقتصاديّة، ولكن اليوم مع تثبيت قدرته في الحكم يبدو أنّه يولي الشقّ السياسي أهمية أكبر من الشقّ الاقتصاديّ، والجميع يراقب ويعلم بأن السياسة الخارجية لتركيا أصبحت الشغل الشاغل لأردوغان، وربما كانت غايته نبيلة في رفع مكانة بلاده بين الأمم، لكن هذه السياسة أضرت بالاقتصاد.
وتأثر الاقتصاد التركي بسياسات الرئيس أردوغان الإقليمية والدوليّة، ولاسيّما موقفه من الأزمة السورية وكذلك العلاقة مع الأكراد.
لاحقاً شكّل الانقلاب العسكري الفاشل نقطة سياسيّة سوداء في تركيا الحديثة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إلا أن أردوغان نجح مجدداً من خلال سياساته الداخلية في تحويل هذا التهديد إلى فرصة ثمينة لإقصاء منافسيه ومناوئيه في كل أجهزة الدولة السياسية والعسكرية والاقتصاديّة والأكاديمية.
ولكن يبدو أن انشغال أردوغان بالملف السياسي وترتيب بيته الداخلي، الحزبي وغير الحزبي في ظل النظام الرئاسي نزل ناراً وشنّاراً على الملف الاقتصادي.
أرقام وحقائق
مؤخراً خرج استطلاع للرأي لمؤسسة جيزيجي أظهر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يفوز بانتخابات الرئاسة من الجولة الأولى وأن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامته سيفقد أغلبيته البرلمانية في الانتخابات المقررة في 24 من يونيو.
وتوقع استطلاع جيزيجي، الذي أجري في 25 و26 مايو وشمل 6811 مشاركاً، حصول أردوغان على 48.7 في المئة في الجولة الأولى مقابل 25.8 بالمئة لمرشح المعارضة الرئيسي محرم إينجه.
هذا على المستوى السياسي ومستقبل العدالة والتنمية، أما بالنسبة للاقتصاد وتأثيره على البطالة، فيمكننا القول بأنه وحسب الإحصاءات التركية فيما يخصّ معدلات البطالة للعام 2017، تشير إلى أنه من بين 7 ملايين و350 ألف خريج جامعي، هناك 930 ألف شخص يعني 12.7% عاطلين عن العمل.