الوقت- فرضت العلاقات القديمة والتاريخية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلطنة عمان نفسها على واقع الجغرافيا والمصالح بين قوتين إقليميتين تسيطران على ضفتي الخليج الفارسي، إحدى أهم المناطق الإقتصادية والجيوسياسية في المنطقة والعالم.
وشكّل نجاح الدبلوماسية العمانية المعروفة بهدوئها في إتخاذ مواقف معتدلة تجاه الأزمات الإقليمية بدءاً من الجماعات التكفيرية، مروراً بما يسمى بـ"الربيع العربي"، وصولاً إلى العلاقة مع ايران(خلافاً لموقف السعودية على سبيل المثال)، شكّل فرصة مناسبة لتعزيز دورها الإقليمي.
ورغم أن العلاقات الإستراتيجية بين طهران ومسقط، لم تسلم من سهام بعض دول مجلس التعاون التي طالبت عمان بإتخاذ موقف سياسي- اقتصادي يتناسب مع مشروعها العدائي تجاه إيران، إلا أن حكمة السلطان قابوس من ناحية، وإصرار طهران على مبدأ حسن الجوار من ناحية أخرى، فرض معادلة جديدة على العلاقات السياسية والإقتصادية بين البلدين عنوانها: الأمن القومي والأمن الإقليمي.
العلاقات السياسية
تعيش سلطنة عمان على مدى العقود الأربعة الماضية حالة من الامان والإستقرار في ظل سياسة داخلية معتدلة وأخرى خارجية عنوانها الاستقلال، حيث وقفت على مسافة واحدة من الجميع رغم أنها إحدى الدول التي أسست مجلس التعاون وعملت على إنجاحه والتزمت بقراراته وبرامجه، وسعت دومًا نحو تقريب وجهات النظر.
وساهم إستقلال عمان السياسي في تعزيز علاقاتها مع إيران، فقد إستقبلت طهران السلطان قابوس بن سعيد في العام 2009 ثم مؤخرًا في العام 2013 بُعيد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد أعطى ربيع العلاقات السياسية بين البلدين، الجانب العماني وزنا إقليمياً غير مسبوق، فقد كان للسلطان قابوس دور بارز في استضافة مفاوضات إنهاء الحرب الإيرانية- العراقية في عام 1988، كما استضافت مسقط المفاوضات النووية بين طهران والدول الست، وجمعت على طاولتها النقيضين الإيراني والأمريكي.
أينع التقارب السياسي بين طهران ومسقط ثماره في موقف البلدين ازاء العديد من الملفات الإقليمية، فقد أكد الجانبان على الرؤية المشتركة لحل الأزمتين السورية واليمنية، بإعتماد السبل الدبلوماسية، كما أن دور سلطنة عمان الفريد في منطقة الخليج الفارسي نظراً لعلاقاتها الجيدة مع ايران سمح لها في الآونة الأخيرة بالتوسط في الازمة اليمنية السابقة عبر اتفاق السلم والشراكة، ناهيك عن موقفها المعتدل الداعي لوقف العدوان السعودي على الشعب اليمني.
ولم تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب السياسي فحسب وإنما امتدت إلى جوانب أخرى عبر لجان مشتركة بين البلدين؛ عسكرياً، وقّع الطرفان في سبتمبر/أيلول 2013 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري، إضافة إلى إجراء المناورات البحرية المشتركة في مضيق هرمز، والزيارات العديدة بين كبار المسؤولين من الدولتين.
ومما لا شك فيه إن تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين يصب في صالح شعوب المنطقة، ويبدو أن هذا النهج يجري على قدم وساق في مختلف الملفات الإقليمية خاصة أن سلطنة عمان تعاملت مع إيران وإمكاناتها، کأمر واقع وحقيقة جغرافية وتاريخية لا يمكن الالتفاف حولها، معتبرةً أن إبقاء الحوار مفتوحًا مع قوة إقليمية كإيران أجدى لأمن مسقط والمنطقة من استعدائها أو مقاطعتها.
العلاقات الإقتصادية
لم تكن العلاقات الإقتصادية بعيدة عن نظيرتها السياسية، حيث تشهد العلاقات الإيرانية العمانية منذ فترة دفعات جديدة من التعاون الإقتصادي في سبيل تعزيز التبادل التجاري بين البلدين. وبما أن السياسة والإقتصاد وجهان لعملة واحدة، سرى الود السياسي بين البلدين على الملف الإقتصادي حيث إرتفعت قيمة التبادلات التجارية بين إيران وسلطنة عمان من 200 مليون دولار إلى أكثر من مليار دولار، وفق ما أعلن السفير الإيراني لدى سلطنة عمان، علي أكبر سيبويه.
ولا يتوانى إقتصاديون عُمانيون عن الدعوة بأن يحظى التبادل التجاري مع طهران زيادة مطردة تتوافق وانسيابية العلاقات السياسية بين البلدين، معربين عن أملهم بازدهار النشاط التجاري بين البلدين على ضوء الإعلان عن تدشين خط ملاحي بين ميناءي بندر عباس الإيراني وصحار العماني، وتأسيس شركة مشتركة للاستثمار في المشاريع المهمة.
ويرى مراقبون أن الخط الملاحي الجديد يسهم في تعظيم عوائد البلدين الاقتصادية، فهو عبارة عن خط إقتصادي قوي لترويج السلع والبضائع العمانية في ايران، في المقابل يمثل ملاذا وبوابة واعدة لإعادة تصدير المنتجات الإيرانية إلى العديد من الدول الخليجية والآسيوية والشرق أفريقية.
لم تقتصر مجالات التعاون الإقتصادي بين ايران وعمان على جانب واحد، إنما تعدّته لتشمل كافة الجوانب الإقتصادية، فتسعى عُمان لاستيراد الغاز من إيران عبر بناء أنبوب بحري بين البلدين، ويناقش الطرفان تطوير حقول غاز مشتركة في عرض البحر، كما تسعى طهران لبناء مستشفى في سلطنة عمان بتكلفة1.5 مليار دولار.
يبدو أن إرتفاع حجم التبادل التجاري والتعاون الإقتصادي في البلدين متواصل بإستمرار في ظل وجود الأرضية والقدرة على تعزيزه، كما أن أي رفع للحظر الإقتصادي عن طهران يعني تحقيق مكاسب إقتصادية في صالح الجانبين، وفتح الطريق أمام شركات إيران واستثماراتها المهاجرة للعودة.
خلاصة
يتطلع الجانبان حالياً إلى ضرورة أن يرتقي مستوى العلاقات الإقتصادية مثل العلاقات السياسية إلى أعلى مستوياتها، وبالتالي تشهد الفترة المقبلة ازدهارا أكبر للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، في ظل الحراك الدبلوماسي والسياسي النشط. ولكن ما يمكن إستخلاصه أن العلاقة الإيرانية العمانية مصلحة أمن قومي، لا بل تدخل في سياق إستتباب "الأمن الإقليمي"، وبإمكان الجارة العمانية على الضفة المقابلة من مضيق هرمز أن تلعب دوراً ريادياً في تقريب وجهات النظر بين طهران والسعودية.