الوقت- بعد أيام من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة والاعتراف بالمدينة عاصمة للكيان الإسرائيلي، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته على ما يبدو الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته التي حاكها بنَفَسٍ وصياغة "إسرائيلية" وبمباركة عدد من الدول العربية تمهيداً لجعل "صفقة القرن" أمراً واقعاً على الشعب الفلسطيني.
وفي جديد هذه الصفقة التي تعدّ نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، أن إدارة ترامب تسعى حالياً إلى طرح خطتها لـ "السلام" في الشرق الأوسط التي تأجّلت كثيراً، في الشهر المقبل وسط مؤشرات على أنها قد تزيد من عزل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وعليه فقد بدأت وسائل إعلام "إسرائيلية" تسريب هذه الصفقة، ونشر تقارير مختلفة منقولة عن مسؤولين أمريكيين بارزين تؤكّد جميعها أن إدارة ترامب عازمة على طرح خطة "التسوية" المعروفة بـ "صفقة القرن" الشهر المقبل، أي بعد فترة وجيزة من شهر رمضان المبارك، بعد نجاح الاختبار الأخير والذي تمثّل بتسريع نقل السفارة الأمريكية، وتزامن هذه المراسم مع مراسم إحياء الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، وما رافق ذلك من ضعف ردود الفعل العربية، والدولية تجاه هذه الخطوة الاستفزازية، وخمود الشارع العربي والإسلامي تجاه المساس بالقدس التي تعدّ خطاً أحمر، بحيث أصبح الفلسطينيون شبه وحيدين، ولن يكون أمامهم خيار سوى الرضوخ لمطالب ترامب وخطّته الموقّعة عربياً.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كشفت كواليس ما يجرى إعداده في الغرف المغلقة مشيرة إلى أن كبير مستشاري ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر بدأ بمساعدة المبعوث الأمريكي إلى المنطقة جيسون جرينبلات، بإطلاع حلفاء واشنطن على تفاصيل الخطة التي يقال إن جاريد وضعها بإملاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الآخر بدأ النشاط لتنفيذ خطته على أرض الواقع وأخبر مضمون خطته للزعماء العرب، بمن في ذلك ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالإضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أرودغان.
أما فيما يتعلق بتفاصيل الإجراءات الممهدة لصفقة القرن، فقد كشفها موقع "ديبكا" القريب من الاستخبارات الإسرائيلية، الذي كتب بشكل مفصّل الخطوات المتوقّعة قبل إعلان الخطة، وكيفية تفعيلها، مشيراً إلى أن الخطة ستطرح بعد شهر رمضان، بحيث تلتزم الحكومات العربية المعنية بعدم تسريب تفاصيل الخطة كاملة لإجراء مزيد من المناقشات بينما تقوم أمريكا وحلفاؤها العرب بالبحث عن شخصيات فلسطينية تعيش خارج نطاق السلطة الفلسطينية وقادرة على تبنّي الخطة وترويجها داخلياً، بعدها يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبوله إجراء مفاوضات فورية مع الحكومات العربية متمثلة بمصر والأردن والسعودية وبقية دول مجلس التعاون، حول بعض النقاط المقبولة لدى الطرفين تمهيداً للتوصل إلى اتفاق أوسع.
وبناء على ما جرى تسريبه حتى الآن من بنود الصفقة فإن "إسرائيل" قبلت بقيام شبه دولة فلسطينية (حكومة ذات سيادة محدودة) عبر نصف الضفة الغربية (من دون أغلب أحياء القدس الشرقية والمدينة القديمة) وكل قطاع غزة منزوعة السلاح، وتحتفظ "إسرائيل" بالمسؤولية الأمنية لمعظم الضفة الغربية ومعابر الحدود، كما يبقى وادي الأردن تحت السيادة الإسرائيلية والسيطرة العسكرية، في حين تم حذف حق العودة بشكل كامل، وتم الاستعاضة عنه بإنشاء آلية تعويض وإدارة من قبل المجتمع الدولي، بالإضافة إلى الاعتراف بـ "إسرائيل" كوطن للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة كوطن للفلسطينيين، بينما ستتشارك فلسطين والأردن السلطة الدينية على الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس.
وعلى ما يبدو فإن واشنطن ومن لفّ لفيفها من شركائها العرب ستسعى جاهدة إلى تمرير هذه الصفقة، وانتزاع موجة جديدة من مسلسل التنازلات الفلسطينية المستمرّة منذ مؤتمر مدريد، وترجّح أغلب التوقعات أن الدول العربية التي تدور في الفلك الأمريكي و"الإسرائيلي" ستتبع سياسة العصا والجزرة مع الفلسطينيين شعباً، وقيادة، سواء في قطاع غزة المحاصر أم في السلطة الفلسطينية وأجهزتها في رام الله، وهو ما بدأنا نتسلّمه أخيراً من خلال تهديد بعض قادة هذه الدول، وعلى رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يعدّ الآمر الناهي في الرياض، بقطع المساعدات الإنسانية والمالية عن جميع الفلسطينيين وتشديد الحصار عليهم تطبيقاً لمقولته الأخيرة التي باح بها لعدد من الزعماء اليهود في نيويورك خلال زيارته الماضية إلى أمريكا، والتي قال فيها "على الفلسطينيين أن يقبلوا بهذه الصفقة أو أن يخرسوا"، محمّلاً الشعب الفلسطيني بمجمله مسؤولية الفشل في التوصل إلى سلام مع الكيان الإسرائيلي.
ومن جهة أخرى تسعى واشنطن وشركائها العرب إلى اتباع سياسة الترغيب مع الفلسطينيين عن طريق وعود بإغراق الضفة، والقطاع بالأموال العربية، والغربية ثمناً للتنازل عن القدس المحتلّة وحق العودة، وعدم معارضة "الصفقة"، بالإضافة إلى الوعود بفتح معبر رفح في قطاع غزة بشكل دائم ورفع الحصار بشكل جزئي عن المحاصرين في غزة، وهو ما تم تطبيقه بشكل مرحلي بعد طلب زعماء عرب تخفيف زخم مسيرات العودة، مقابل فتح معبر رفح خلال شهر رمضان المبارك في مسعى لامتصاص نقمة أهل القطاع وتحسين ظروفهم المعيشية، وكمرحلة أولية لفتحه بشكل دائم في حال رضخ الفلسطينيون لصفقة القرن وتخلّوا عن المطالبة بالقدس المحتلة.
المرحلة القادمة إذاً ستكون مرحلة حاسمة بشكل كبير للقضية الفلسطينية فإما الرضوخ والاستسلام لإملاءات ترامب الاستسلامية الممزوجة بمال النفط العربي، وبالتالي إنهاء القضية بالكامل أو إن ما عجزت عنه سنون التغريبة لن تفلح فتات أيام ترامب وحلفائه في الوصول إليه.