الوقت- تحوّل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون في الآونة الأخيرة من نقطة اجتمع عليها الساسة الأمريكيون إلى نقطة خلاف كبيرة.
وبالرغم من إعلان ترامب الأخير حول اللقاء المرتقب مع الزعيم الكوري وتحديده موعد ومكان عقد الاجتماع والذي سيكون في سنغافورة منتصف يونيو القادم بحسب صحيفة "تشوسن إيلبو" الكورية الجنوبية، إلا أن المشكلات عادت لتظهر من جديد بين الطرفين خاصة في مسألة استمرار وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية.
بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953 انتشرت القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية إلى يومنا هذا، حيث يبلغ عديدها حوالي 28 ألفاً و500 جندي أمريكي، ويعدّ الحضور الأمريكي في كوريا الجنوبية من أبرز المعضلات التي ألقت بظلالها على المحادثات الأمريكية الكورية على مدى السنوات الماضية، إلا أنّ هذه المعضلة قد حلّت بحسب الرئيس الكوري الجنوبي مونا جاي الذي قال إن "كوريا الشمالية تظهر رغبتها في نزع السلاح النووي بالكامل من المنطقة وهي لن تطرح على أمريكا شروطاً لن تقبلها، ومنها سحب القوات الأمريكية، كما كان في الماضي". وقد كرّر في أوائل مايو: "أن قضية نشر القوات الأمريكية في الجنوب لا علاقة لها بمعاهدة السلام المستقبلية مع كوريا الشمالية، ويجب أن تبقى القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، حتى لو تم توقيع مثل هذا الاتفاق"، وفي اليوم الثاني من مايو، قالت كيم إيوي كيم، المتحدثة باسم الرئيس الكوري إن "وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية هي قضية بين سيؤول وواشنطن، ولا علاقة لها بتوقيع معاهدات السلام"، ولفت مراقبون في كوريا الجنوبية إلى أن وسائل الإعلام الشمالية لم تعد تتحدث مؤخراً عن سحب أمريكا قواتها من أراضي جارتها الجنوبية ـ إضافة إلى انخفاض ملحوظ لحدّة الانتقادات الموجّهة إلى واشنطن.
إلا أن هذه التصريحات سرعان ما تغيّرت إثر إعلان الأمريكيين أن العقوبات الأمريكية هي التي أجبرت كوريا الشمالية على الاستسلام ودخولها المفاوضات، هذا الأمر أغاظ الكوريين ما دفع المتحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية إلى توجيه تحذير لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسابيع من القمة المرتقبة بين البلدين، واصفاً هذه التصريحات بالمضللة، مضيفاً إن استمرار وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية هو استفزاز لكوريا الشمالية في الوقت الذي يتحرّك فيه الوضع في شبه الجزيرة الكورية نحو السلام والمصالحة".
هذا البيان كان بمثابة رسالة تكذيب كوريا الشمالية للادعاءات الأمريكية والكورية الجنوبية بقبول بيونغ يانغ قضية استمرار القوات الأمريكية في شبه الجزيرة إضافة الى استمرار دعمها لقدرات جارتها الجنوبية في المجالات النووية، وعلى الرغم من أن أمريكا قد سحبت أسلحتها النووية من كوريا الجنوبية في التسعينات، إلا أنها لا تزال تحافظ على دعمها لكوريا الجنوبية واليابان في مجال السلاح النووي، مثل استمرار وجود القاذفات والغواصات القادرة على حمل أسلحة نووية في شبه الجزيرة الكورية.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الخميس، عن مصادر مطّلعة القول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر وزارة الدفاع الأمريكية بتجهيز خيارات لخفض حجم القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، وقالت الصحيفة نقلاً عن أحد المسؤولين المقربين من ترامب أن سحب هذه القوات ليس المقصود منه أن يكون ورقة مساومة في القمة المقررة حول برنامج أسلحة بيونغ يانغ النووية إنما قناعة الإدارة الأمريكية بأن فاتورة الحماية التي تقدّمها أمريكا لـ "سيؤول" كبيرة وعليها أن تدفع أكثر من أجل استمرارها. وبحسب الاتفاق الموقّع بين الطرفين والذي ينتهي نهاية العام الحالي، تدفع كوريا الجنوبية نصف تكلفة بقاء القوات الأمريكية على أراضيها، والتي تتجاوز 800 مليون دولار في السنة، ويمكن القول إنه وبحسب النهج التجاري المتبع من قبل الرئيس الأمريكي مع حلفائه التقليديين فإنه من المتوقع أن يتخذ ترامب خطوات تهديدية بشأن استمرار قواته في دول الجوار ككوريا الجنوبية واليابان بهدف كسب المزيد من المال وتخفيف عبء تكلفة وجود هذه القوات عن كاهل الإدارة الأمريكية.
وبناء على ذلك، فإن الافتراض الواقعي هو أن كوريا الشمالية وحلفاءها، مثل روسيا، وعلى وجه الخصوص الصين، يضغطون من أجل تقليص وجود القوات الأمريكية في المنطقة عبر الورقة الكورية خاصة بعد إعلانها دخولها المفاوضات وتعليق برامجها النووية والصاروخية، حيث تعتقد الصين أن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي المتقدم على أراضي كوريا الجنوبية وغيرها من المعدات الاستراتيجية في البلاد يهدف إلى تقويض قدرات بكين العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يعوق قدرات الردع الصينية في أي سيناريو صراع مع أمريكا في المستقبل، وتسعى الصين، باعتبارها أهم حليف لبيونغ يانغ، للتغلب على هذا التهديد المحتمل من خلال دفع كوريا الشمالية إلى التفاوض مع أمريكا وإصرارها على إخراج القوات الأمريكية، وفي المقابل ستقدّم بكين الدعم الاقتصادي اللازم لكوريا الشمالية الذي بدوره سيمنع انهيار سيؤول مقابل العقوبات الاقتصادية الدولية، وتعتبر زيارة الزعيم الكوري إلى الصين في الأيام القادمة تأكيداً على التعاون الكبير بين البلدين.
ختاماً، إن استمرار وجود القوات الأمريكية ومعداتها الاستراتيجية مثل نظام ثاد الصاروخي (THAAD) في كوريا الجنوبية هي من أكبر المعضلات التي ستلقي بظلالها على أي اتفاق محتمل بين كوريا الشمالية وأمريكا، وهو ما يثير تساؤلات كبيرة حول كيفية تخطي هذا الأمر في أي اتفاق، رغم إصرار حلفاء سيؤول على خروجها من المنطقة، وفي حالة فشل المفاوضات، ستخرج أمريكا كما عوّدتنا من الاتفاق تحت أعذار واهية كما حدث يوم أمس بخروج أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني.