الوقت- تحالف آل سعود وآل الشيخ يتّجه نحو آفاق جديدة لا نعلم ما إذا كان المجتمع السعودي سيرضى بها أم سيحاربها بما يتناسب مع عاداته وتقاليده التي ربّاه عليها الاثنان بينما اليوم يتنصّلون منها بطرق مختلفة.
وبين مغامرات ابن سلمان غير المحسوبة النتائج وصمت آل الشيخ يعاني مواطنو السعودية اضطهاداً مزدوجاً، حيث يقود الأول البلاد بطريقة تجعله يقترب من الوصول إلى العرش قدر المستطاع ويضع للسعودية قوانين جديدة متناسياً طبيعتها وعاداتها وتقاليدها، معتقداً أن سياسته الجديدة وهذا الانفتاح الذي يعمل عليه سيسرّع من وصوله إلى السلطة ويرفع من شعبيته، أما آل الشيخ فيلتزمون الصمت حالياً حيال ما يقوم به ولي العهد ولا يبدون أي معارضة في العلن ولكن لا نعلم ماذا يحدث في الظل وما الذي سيحدث في المستقبل في حال تغيرت العلاقة بينهما وأخذت طابعاً سلبياً.
جميعنا اطّلعنا على "ميثاق الدرعية" الموقّع بين آل سعود وآل الشيخ في عام "1745م" حين بسط محمد بن سعود يده على البلاد وبايعه وناصره على ذلك محمد بن عبد الوهاب، وحينها نصّت الوثيقة على الدعوة لتصحيح عقيدة الناس مما علق بها من الشرك والبدع والخرافات، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، ثم بدأت الإصلاحات على هذه المقاييس وتم نشر الدعوة السلفية حيث لقيت نفوذاً واسعاً في أنحاء الجزيرة العربية وخارجها، ويعتبر ها الميثاق الأساس الذي نشأت عليه السعودية، فماذا تغيّر الآن؟!، وكيف سيكون شكل العلاقة بين الحليفين السابقين؟!.
ماذا الآن
الآن يتخذ "ميثاق الدرعية" شكلاً جديداً مختلفاً كلياً عن إطاره السابق الذي بُني على أساسه تاريخ السعودية، حيث شهدت خلاله البلاد علاقة متينة بين العائلتين وتمكّنت كلّ منهما من تحقيق ما تصبو إليه من سلطة ونفوذ ومال، وبقي كل طرف وفيّاً للطرف الآخر ولكن اليوم الأمور لم تعد كالسابق في ظل الإصلاحات الجديدة التي يقودها ابن سلمان والتي تتعارض مع فكر الوهابية وهذا ما سيقود العلاقة نحو واحد من هذه السيناريوهات:
السيناريو الأول: أن يصمت الوهابيون تجاه القرارات التي يتخذها ابن سلمان، ويتماشون معها لضمان بقائهم أطول مدة ممكنة، خاصةً أن الأمير الشاب أرعب الجميع من خلال اعتقاله لكبار المسؤولين والأمراء والدعاة، ولذلك لا يريد آل الشيخ أن يختبروا هذه التجربة، وبالتالي لا بدّ من التراجع رويداً رويداً عن المبادئ التي قامت عليها هذه المدرسة الوهابية لحفظ بقائها دون حدوث صدامات مع ولي العهد من المحتمل أن تنهي وجودها إلى الأبد، وهذا يعني أننا سنشهد نسخة جديدة معدّلة عن الوهابية تتماشى مع الإصلاحات التي يقدم عليها ابن سلمان في المستقبل وعدم معارضته في قرار يتخذه وتسخير مكانتهم وفتاويهم لخدمة هذه القرارات القادمة مهما بلغ تأثيرها السلبي على المواطن.
السيناريو الثاني: أن يتخذ آل الشيخ من المثل القائل "الصبر مفتاح الفرج" شعاراً لهم في المرحلة المقبلة وانتظار القادم من الأيام، لأنهم اليوم ليسوا في مكان يسمح لهم بالمواجهة وبناء عداوات مع ولي العهد لن تعود عليهم بأي منفعة، لذلك نعتقد بأنهم سيتريثون حتى تظهر نتائج سياسة ابن سلمان في الداخل السعودي، ويعرفون حينها نحو من سيتجهون، ومن المؤكد أنهم غير راضين عن إصلاحات ابن سلمان لكن ليس لديهم خيار آخر.
السيناريو الثالث: أن تعود أحداث السبعينات إلى مكة والكعبة عندما هاجم جهيمان العتيبي محيط الكعبة بمشاركة 100 مسلح وكاد أنّ يطيح بآل سعود لولا تدخّل القوات الفرنسية الخاصة آنذاك، ولكون الحقد تجاه ابن سلمان لا يقتصر على مشايخ الوهابية فقد يتكرر الأمر عبر شنّ هجمات شاملة على آل سعود، خاصة أنّ ولي العهد يحرّض من حيث يدري أو لا يدري الجميع ضده.
السيناريو الرابع: أن تحصل انشقاقات داخل صفوف الوهابيين والتيارات الفكرية الجديدة من الداخل وبالتالي سنجد أنّ المفتين المعارضين للإصلاحات سيقفون إلى جانب العلماء المعارضين لآل سعود، ومن هنا سيبدأ صراع وسيكون دامياً ومؤلماً جداً على الصعيد الشعبي قبل أن يكون كذلك على الصعيد السياسي والديني والسلطة القائمة في السعودية لكون هذا الانشقاق سينعكس على الشعب ويخلق نوعاً من الفتنة بينهم.
بين هذه السيناريوهات الأربعة يقف الشعب السعودي على ناصية الطريق منتظراً مستقبل العلاقة في بلد بدأ يأخذ اتجاهات جديدة غير مسبوقة يقوده شاب في بداية عقده الثالث، ولا يعلم أحد إلى أين سيأخذ السعودية، الجميع ينتظر الآن، والجميع يترقّب، وجميع الخيارات مفتوحة أمام مستقبل السعودية، لذلك لا يمكن التكهّن بمستقبل واضح لها.
لكن طبيعة العلاقة بين آل الشيخ وآل سعود لا نعتقد بأنها ستتجه للعنف في المرحلة المقبلة، خاصة أن آل الشيخ يتّبعون أسلوباً براغماتياً في التعامل مع آل سعود حتى لا يخسروا مكانتهم، وقد رأينا هذا الأسلوب مراراً في الفترة السابقة فلم تبدِ هذه العائلة أي معارضة لقرارات ابن سلمان علماً أنها هي من أفتت بنقيضها قبل ثمانية عقود، ولذلك ستبقى هذه العلاقة مثل "الجمر تحت الرماد" قد تشتعل في حال هبّت رياح عاتية من الغرب.