الوقت-في خضمّ التهديدات التي يطلقها رئيس أمريكا دونالد ترامب بشأن خروج بلاده من الاتفاق النووي، تناول الكاتب والمحلل السياسي الإيراني صادق مالكي في مقال له الحرب النفسية التي يشنّها ترامب على بلاده من أجل إجبارها على الاستسلام دون إطلاق رصاصة واحدة.
وجاء مقال الكاتب الإيراني الذي حمل عنوان " حرب الرئيس الأمريكي النفسية على إيران" على الشكل التالي:
يجب تسمية يوم خروج أمريكا من الاتفاق النووي بـ "يوم المقاومة العالمي"، يجب علينا النزول إلى الشارع والتظاهر بالملايين لنبرز الوفاق الذي نحن عليه في هذه القضية، وبغض النظر عن خروج ترامب من الاتفاق، فإن سلوكه تجاهنا منذ انتخابه رئيساً لأمريكا مليء بالحقد والكراهية، ويعدّ أحد أهم مفاهيم الحرب النفسية التي يشنها ترامب على بلادنا، هو استسلامنا دون إطلاقه أي رصاصة، فماذا يجب علينا أن نفعل؟! هل يحب علينا أن نضع رأسنا في التراب ونخاف من الذي سيحصل، أم يجب علينا المقاومة؟
وإيران، أظهرت للعالم أنها تبحث عن السلام ولم تكن وراء افتعال الأزمات كما يدّعون، وفي ظل المبادئ الاستراتيجية الثلاثة: الحكمة، الكرامة والمصلحة صنعنا السلام.
هذه المبادئ لطالما كانت موجودة ضمن خططنا واستراتيجياتنا وذلك من أجل تجنّب الحروب غير المرغوب فيها، ولكن يبدو أن العدو اعتبرها استراتيجية استسلام وحوّلها إلى سياسة ضغط علينا، ومن جهة نظري إن هذه الحسابات خاطئة وستغرق كل من يعتمدها، كما أن الاستسلام للتجارب والعمليات التي يجريها ترامب والتي يجب أن تمرّ أولاً عبر فحص في مستشفى الأمراض العقلية، ستكون وصمة عار دائمة بالنسبة لإيران والإيرانيين وسترافقهم أينما حلّوا وأينما وجدوا.
إن لعبة أمريكا مع إيران هي لعبة معقّدة وتحمل عدة أوجه، وهذا التعدد هو فرصة لإيران، ففي مفاهيم السياسة كل تهديد يمكن أن يكون فرصة تغتنمها الدول من أجل تحقيق نجاحات غير مسبوقة، ولذلك يجب على الإيرانيين التركيز على قدراتهم وإمكاناتهم، بدلاً من معالجة المشكلات التي ستنشأ بعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي.
إن الانتصارات والنجاحات هي وليدة الظروف الصعبة، على الرغم من أن البعض يقولون إن جيل اليوم هو ليس بجيل سنوات الحرب السابقة، لكن من وجهة نظري إن هذا الجيل وفي خضم ازدياد الضغوط وبدء العدوان، سيكون أكثر قدرة وفعالية من الأجيال السابقة، تماماً كما قاوم جيل الحرب المفروضة (التي شنتها العراق على إيران) أفضل من الأجيال السابقة.
ليس هناك طريق مسدود في عالم السياسة والحكم، في أسوأ الحالات، يمكن العثور على مسار للخروج من هذه الأزمة، فخروج أمريكا من الاتفاق النووي لن يكون نهاية العالم، بل هو علامة ومؤشر يظهر عداء أمريكا الذي لا نهاية له لاستقلال الجمهورية الإسلامية في إيران.
لا ينبغي أن تكون أوجه القصور والاستياء في السياق السياسي والاجتماعي لإيران والوضع الاقتصادي الصعب مكاناً للبهجة الأمريكية، وبغض النظر عن الخطوط السياسية العريضة، ليس هناك شك في حقيقة أن الحكومات الإيرانية المتعاقبة قد فشلت في تلبية توقعات الشعب الإيراني، لكن الشعب الإيراني بجميع أطيافه وألوانه وانتماءاته السياسية سوف يقف دون أي تردد ضد أعداء هذه البلاد.
فالعدو يبقى عدوّاً، والتعامل معه بغير ذلك هو نوع من السذاجة، نحن مقصّرون بلا شك بوصول الأوضاع الاقتصادية في البلاد إلى هذا التدهور، إلا أنه ليس الوقت المناسب للتباحث فيها والدخول في صراعات داخلية نحن بغنىً عنها.
فبعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي يجب علينا أن نغيّر الوضع، وأن نستفيد من جميع القدرات التي لدينا وتصويبها في الاتجاه الصحيح كي تتكيف إيران بسرعة مع الوضع الجديد. نعم، لا ينبغي علينا أن نسعى وراء حروب نتائجها معروفة مسبقاً، وفي الوقت الذي يجهّز فيه العدو نفسه لخوض المعركة معنا، يمكن أن يكون من السهل التغلب عليه، ولا يجب علينا انتظار يوم خروج ترامب من الاتفاق، بل من اليوم وقبل فوات الأوان يتعيّن علينا التخلي عن جميع الاختلافات الصغيرة والكبيرة فيما بيننا، ونحقق المصالحة الوطنية على جميع المستويات والفصائل كي نخرج منتصرين.
إن أمريكا وحلفاءها في المنطقة لا يخشون الصواريخ الإيرانية وبرنامجها النووي، إنما يخشون وحدة الشعب الإيراني الذي يقف خلف قيادته ويقدّم الدعم اللازم أينما طلب منه.
ختاماً، إن ترامب يظهر الوجه الحقيقية لأمريكا، فمن وجهة نظر واشنطن، إن التمسك بالاتفاقيات، ورفع شعارات الديمقراطية، والحرية والكرامة والتعهدات... كلها كانت ولاتزال تستخدم من أجل حماية مصالح أمريكا في المنطقة، وهذا الأمر في حدّ ذاته، الأكثر مرارة في التاريخ المعاصر.
من المفيد ذكره أن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي "الوقت" وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.