الوقت- منذ السابع من أكتوبر، يعيش الكيان الصهيوني حالة ارتباك غير مسبوقة أمام قوة صمود حركة حماس، التي أثبتت أنها أبعد ما تكون عن الانهيار رغم كل الضربات، فالحركة، التي فقدت عدداً من قادتها الميدانيين، أعادت ترتيب صفوفها بسرعة وحافظت على حضورها السياسي والعسكري في قطاع غزة.
هذا الصمود كشف عجز المنظومة الأمنية الصهيونية عن فهم طبيعة حماس، إذ لا يزال الكيان يواجهها بعقلية الحسابات الرقمية وتعداد الخسائر، متجاهلاً أن الحركة باتت متجذرة في المجتمع الفلسطيني، تجمع بين العقيدة الصلبة والمرونة العسكرية.
اليوم، وبعد مرور نحو عامين من الحرب، يتضح أن الكيان الصهيوني عاجز عن تحقيق أي نصر حاسم، فيما تواصل حماس تعزيز حضورها وإرباك العدو عبر تكتيكات مبتكرة وروح مقاومة متجددة، وهنا يبرز السؤال: هل سيبقى الكيان غارقاً في حرب استنزاف لا نهاية لها، فيما تتقدم حماس بثبات نحو ترسيخ مكانتها كقوة مركزية في فلسطين المحتلة؟
فشل المنظومة الصهيونية في فهم حماس
من أبرز أوجه المأزق أن الكيان الصهيوني تعامل مع حماس بعقلية الاستخفاف والاحتقار، فاختزلها في أرقام: عدد القادة الذين تمت تصفيتهم أو الكتائب التي جرى حلها، لكن معركة السابع من أكتوبر قلبت هذه الصورة رأساً على عقب، إذ أثبتت حماس أنها كيان مركّب يجمع بين العمل العسكري المنظم والبعد الأيديولوجي العميق.
المفاجأة الصاعقة للكيان لم تكن في حجم الهجوم فقط، بل في قدرة الحركة على الاستمرار رغم آلة القتل الضخمة التي وُجّهت إليها، إن فشل المنظومة الصهيونية في استيعاب هذه الحقيقة يعكس قصوراً استراتيجياً خطيراً، إذ لم يعد بإمكانها إنكار أن حماس أصبحت لاعباً محورياً يستحيل تجاوزه، هذا العجز يترجم يومياً في الميدان: عمليات عسكرية غير محسومة، خسائر بشرية متزايدة، ومجتمع صهيوني يعيش تحت ضغط نفسي وسياسي متصاعد بسبب استمرار المقاومة.
مرونة تنظيمية تربك العدو
نجحت حماس في إثبات أن المرونة التنظيمية هي السلاح الأقوى في مواجهة جيش يملك ترسانة عسكرية هائلة، فقد تحولت الحركة إلى نموذج لامركزي، حيث أعادت توزيع الصلاحيات بعد استهداف قادتها، وأتاحت لمجموعات ميدانية صغيرة حرية اتخاذ القرار، هذا الأسلوب أربك الكيان الصهيوني، الذي وجد نفسه يواجه خلايا نشطة قادرة على الحركة من منطقة إلى أخرى وتنفيذ عمليات نوعية في ظروف بالغة التعقيد.
الأهم أن حماس دمجت عناصر الشرطة والأمن في المعركة، ما وسّع قاعدة المقاومة وجعل من الصعب على العدو التمييز بين الجناح العسكري والمدني، وبفضل هذه المرونة، تحولت غزة إلى ساحة حرب عصابات مستمرة، تتجدد فيها التكتيكات باستمرار: كمائن، أنفاق، هجمات مفاجئة، وصمود أمام الاجتياحات، هذه القدرة على التكيف جعلت الكيان الصهيوني عاجزاً عن تحقيق أي إنجاز ملموس، بينما تتواصل معاناة جنوده في الميدان.
وحدة "سهم": رمز المقاومة والصمود
من أبرز مظاهر صمود حماس بروز وحدة "سهم"، التي أصبحت أيقونة للمقاومة داخل غزة، هذه الوحدة التي تضم نحو ألف مقاتل موزعين على ثلاثة محاور رئيسية، لا تمثل مجرد قوة عسكرية، بل رمزاً جماهيرياً يُلهم الشارع الفلسطيني ويؤكد أن المقاومة قادرة على البقاء رغم شراسة العدوان.
وجود هذه الوحدة في قلب المواجهة يشكّل صفعة نفسية للكيان الصهيوني، إذ تكشف أن كل الدعاية حول انهيار حماس ليست سوى وهم.
الشارع الغزي ما زال يرى في "سهم" عنواناً للشجاعة والإصرار، الأمر الذي يعزز شرعية حماس ويدحض رواية العدو، المعركة هنا لم تعد مجرد قتال بالسلاح، بل حرباً على الرموز والمعاني: حماس تثبت قدرتها على زرع الثقة في قلوب الفلسطينيين، بينما يغرق الكيان في محاولات يائسة لتسويق "انتصارات" وهمية لا تجد صدى حتى بين جمهوره الداخلي.
الكيان الصهيوني بين الاستنزاف والانهيار المعنوي
الحقيقة التي يحاول العدو إخفاءها أن ثمن هذه الحرب يفوق بكثير ما كان يتوقعه، فبعد مرور نحو عامين، لم ينجح الكيان الصهيوني في كسر شوكة حماس، بل وجد نفسه يغرق في حرب استنزاف طويلة تستهلك موارده وتكشف هشاشته أمام الرأي العام، فحتى لو تمكن من التوغل في بعض مناطق غزة، فإن جذور حماس الأيديولوجية والاجتماعية ستظل حاضرة بقوة، وربما أكثر رسوخاً من قبل، هذا يعني أن أي "انتصار" عسكري سيبقى سطحياً، فيما تتواصل خسائر الجنود وتتزايد الأزمات السياسية والاقتصادية داخل الكيان.
الأخطر أن استمرار الحرب يفضح ضعف الردع الصهيوني، الذي طالما تفاخر به قادة العدو، اليوم، المقاومة تفرض معادلة جديدة: الكيان الصهيوني يدفع أثماناً باهظة من دون أن يحقق حلاً أو حسمًا، فيما تتعزز مكانة حماس كقوة مركزية عصيّة على الكسر.
حماس ومعركة الإرادة والهوية
ما يغفله الكيان الصهيوني أن معركته مع حماس ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي صراع وجودي على الهوية والإرادة. فبينما يعتمد العدو على التفوق الناري والتكنولوجيا العسكرية، تراهن حماس على عمقها الشعبي وعقيدتها الثابتة التي تمنحها طاقة لا تنضب. هذا البعد المعنوي هو ما يجعل الحركة قادرة على استقطاب أجيال جديدة من المقاومين، حتى في ظل الحصار والدمار، فالمقاتل الذي ينضم اليوم لا يرى نفسه مجرد فرد في معركة، بل جزءاً من مشروع تحرري يواجه كياناً غاصباً فاقداً للشرعية.
في المقابل، يعيش المجتمع الصهيوني أزمة ثقة عميقة؛ فجنوده يقاتلون بلا قناعة حقيقية، وشعبه يواجه صدمة نفسية متواصلة تحت ضربات المقاومة، بهذا المعنى، فإن حماس لا تخوض فقط حرباً بالسلاح، بل معركة وعي تُعيد رسم صورة العدو في المنطقة، وتُثبت أن الكيان الصهيوني ليس سوى كيان هشّ يمكن هزيمته بالصبر والثبات.
ختاماً، لقد تحولت غزة إلى مرآة تكشف ضعف الكيان الصهيوني أمام إرادة المقاومة، فحماس، بمرونتها وصلابتها الأيديولوجية، أثبتت أنها عصيّة على الانكسار مهما بلغت التضحيات، وما كان يطمح إليه العدو من "نصر حاسم" لم يعد سوى وهم ينهار أمام صمود المقاومين، في النهاية، قد يكتشف الكيان أن حربه على غزة لم تجلب له سوى الاستنزاف والإذلال، فيما خرجت حماس أكثر رسوخاً وقوة في الوعي الفلسطيني والعربي.