الوقت- في مجمع تشارسو السينمائي بقلب العاصمة الإيرانية طهران، جلست في إحدى القاعات التي تعرض أفلام مهرجان فجر السينمائي الدولي وبدا السكوت على الجميع، متأهبين لمشاهدة فيلم "مطر حمص" للمخرج السوري الشاب "جود سعيد".
ولدى خروجي من صالة العرض لفت انتباهي الدموع اللامعة في عيون المشاهدين والتي انهمر بعضها بينما كانت لا تزال موسيقى نهاية الفيلم تُطرب أرواح الحاضرين، عندها لمحت عيناي الشاب السوري "خلدون حمود" ممثل شركة آدمز برودكشن المنتجة للفيلم، ما رأيته للوهلة الأولى ملامح وجهه التي كشفت عن حمل كبير من الجراح أحضرها معه من سوريا ليعرضها على الشاشة الفضية في صالات عرض تشارسو بقلب العاصمة الإيرانية، فاتجهت نحوه وعقدت العزم على إجراء مقابلة معه ليروي لنا سرّ إبداع كل هذه اللوحات التي مُزجت ألوانها بالتراجيديا والكوميديا كلوحة تكعيبية رسمها بيكاسو من قطع دمار الإنسانية، وفيما يلي نص المقابلة الذي أجرته الإعلامية هبة اليوسف:
ما رأيك بالمهرجانات وتأثيرها بشكل عام، وبمهرجان فجر السينمائي الدولي خصوصاً؟
يستطيع الفرد إبراز أعماله من خلال المهرجانات إضافة إلى أن العالم يتعرف على ثقافة بلده، أما بالنسبة لمهرجان فجر السينمائي الدولي فإنني أراه في غاية التنظيم كذلك هناك عدد كبير من الأفلام المشاركة ومن بلدان عالمية كثيرة منها من أوروبا وآسيا وهذا أمر يشير لمستقبل أكبر، كما أن هذه فرصة للشعب الإيراني ليتعرف على ثقافات البلاد الأخرى وليتعرف الآخرون على ثقافته أيضاً.
ما الذي تعتبره مهماً للسينما العربية السورية اليوم؟
من أهم الأمور للسينما السورية اليوم هو توفير الفرص اللازمة للتسويق والدعم لكي يتم انتشارها بشكل أفضل، ذلك لأنه يوجد العديد من الأعمال المهمة التي يتم إنتاجها لأنها بقيت حبيسة الخزائن كما يقال، إضافة إلى ضرورة إنشاء دور عرض للسينما بشكل أكبر لكي نتمكن من عرض هذه الأفلام على جمهور سوريا بالدرجة الأولى والعالم بالدرجة الثانية، ولاسيما أن هناك العديد من الدول التي تحب متابعة السينما السورية لتميزها، وعلى ما أعتقد فإن شركة آدم برودكشن هي السبّاقة لهذه الأمور.
ما هو تقييمك للسينما السورية؟
إن السينما السورية هي سينما جادة نوعاً ما، فهي تنتج أفلاماً ثقافية وأفلاماً اجتماعية وحتى الأفلام الكوميدية التي تقوم بإنتاجها لديها رسالة قوية للمشاهد، ومن وجهة نظري فإن السينما السورية هي على سوية عالية من الثقافة والإنتاج.
ما هو تأثير الحرب على السينما في سوريا؟
في أي بلد في العالم تكون الحرب منجماً للقصص وفي النهاية السينما هي مجموعة من القصص، والحرب كانت سبباً لازدياد القصص كالدمار، الجوع والتشرد وغيرها من مضاعفات الحرب، كذلك إن الناس أصبحت مهتمة لتعلم ما الذي يحصل في سوريا، كما أن السينما تعتبر أهم موثّق لأي مرحلة تاريخية في أي بلد كان.
ما هي أفضل الأفلام أو المسلسلات التي تمت صناعتها حول الحرب السورية؟
بصراحة لا أستطيع التقييم ورأيي الشخصي أن جميع الأعمال كانت جميلة، مثلاً هناك بعض الأعمال التي تصبّ تركيزها على التقنيات وهناك بعض الأعمال التي تركز على الدقة، وكل مخرج له طريقته الخاصة في الإخراج، وفي النهاية فإن السينما السورية هي بمستوى جيد.
ما هو رأيك بالمخرج جود سعيد؟
إن جود سعيد صديق وأخ بالنسبة لي وشهادتي به مجروحة، لكن لا يخفى على أحد أنه قدم شيئاً جديداً للسينما السورية، ولديه إبداع واضح إن كان بالكتابة أو بالصورة، وبرأيي الشخصي إن أفضل من قدّم صورة في السينما كما قدم شيئاً جديداً، كذلك يهتم بالعمل الذي يقوم به ويتقدم من عمل لآخر، وأكرر بأن شهادتي به مجروحة، وأتصور أن هذا رأي أغلب الناس الذين تابعوا أفلامه وبالنهاية لست أنا من يقيمه يجب أن يكون هناك شخص أعلى درجة منه بالسينما لتقيّمه.
حدثني عن طريقة عمل المخرج جود سعيد مع الممثلين وفريق الفيلم؟
جود يتعامل مع كادر الفيلم كعائلة وأصدقاء وأي شخص يأتي إلى كادر الفيلم أثناء التصوير لا يستطيع أن يعرف من هو المخرج، فهو متواضع جداً يخلق جواً من المرح أثناء التصوير ويتعامل مع الجميع بطريقة واحدة سواء ممثلين معروفين أم كومبارس وغيرهم، حتى أننا في بعض المرات تركنا التصوير وبدأنا نلعب كرة القدم، لكن عندما يخطئ أحد ما يغضب كأي مخرج فهو جدي في عمله أيضاً.
ما هو سبب اختيار اسم "مطر حمص" للفيلم؟
في الحقيقة يجب أن يجيب المخرج شخصياً على هذا السؤال لأنه هو كاتب السيناريو ومخرج الفيلم، لكن برأيي الشخصي إن الفيلم صنع بناءً على قصة حقيقة وعلى شهادة العديد من الناس بعد أن تحدث جود مع الكثير من الناس وسألهم عما جرى في تلك المنطقة، بالإضافة إلى أن مدينة حمص معروفة بأمطارها كما يمكن للمطر أن يرمز لأمور كثيرة.
هل قصة فيلم مطر حمص حقيقية؟
نعم إن الفيلم مستند على أحداث واقعية كموضوع استخراج المدنيين وإرسال الغذاء، تلك القصة واقعية ليست خيالية، لكن بنينا داخلها قصة الأبطال، وبناءً على كلام الكثير من الناس الذين كانوا موجودين والذين تحدث معهم جود وطلب منهم أن يقصّوا عليه ما حدث. كما تم التصوير بمدينة حمص لأن تلك القصة حدثت بهذه المدينة.
هل كان هناك خطر أثناء التصوير؟
لا أريد القول إننا هربنا من الموت ولكن اضطررنا لإيقاف التصوير عدة مرات بسبب اشتباكات قد حصلت بالقرب منا وكان من المتوقع أن تصل لموقع التصوير.
يمكن تخيّل واقع الشارع السوري خلال الحرب المأساوية، الجدران محطمة والشرفات تكاد تقع في الفيلم، هل هو إسقاط على هوية السوريين التي أنهكت خلال الأعوام الماضية؟
بالطبع إن هوية السوريين قد تأثرت بالحرب، لا أريد القول بأنها مدمرة ولكن الشعب السوري صمد ولم يفقد الأمل ولو للحظة واحدة، فلو أنه فقد الأمل لكانت سورية قد انهارت كلياً وهذه القصة لم تكن إسقاطاً على هوية الشعب السوري وإنما هي عرض للواقع، كانت لدينا أجمل المدن والآن أصبحت مدمّرة وتحتاج لإعادة إعمار، وبالتأكيد إن الشعب السوري لم يفقد الأمل أبداً، وسيتم إعادة إعمار سوريا وستصبح أفضل مما كانت عليه، وفي النهاية إن هذا البلد لن يموت لأنه أصل كل شيء ونهاية كل شيء.
هل حصلت معكم مشكلات بالنسبة للطرف المعارض؟
بالطبع مع أننا حاولنا ألّا نُظهر تحيزًا لطرف ما في الفيلم، هناك حرب تضرّرت منها جميع الأطراف ومن المؤكد أنه لا يجب أن يتحيز أي أحد في العالم لطرف الإرهابيين، فالحق واضح، وليس هناك عائلة في سوريا إلا ولديها شهداء أنا شخصياً لدي أخ شهيد، نحن من كنا على تلك الأرض ونحن من نعلم ما الذي حصل، كذلك ركزنا في الفيلم على قصة إنسانية وعلى عمل فني، لكن يريدون دمج كل شيء بالسياسة حتى كرة القدم، في الواقع لا أفهم طبيعة هؤلاء الناس ولا طريقة تفكيرهم ولا حتى أريد أن أفهم، وفي نهاية الأمر يهمنا بلدنا وشعبنا، وأنا مستعد لأن أسامح على كل شيء مضى بشرط أن يعود كما كان لسوريته لهويته الحقيقة.
هل كان "لوكيشن" الفيلم طبيعياً أم قمتم ببعض التعديلات؟
لقد قمنا بتعديلات بسيطة جداً من أجل جمالية الصورة مثلاً قمنا بإزاحة بعض الأشياء الصغيرة من الصورة أو إضافة أشياء أخرى، وإلا فقد كان هذا "اللوكيشن" حقيقي وتلك المدينة كانت مدمّرة كما ظهرت على شاشة العرض.
كيف كان استقبال الناس للفيلم؟
كان استقبال الناس للفيلم إيجابياً جداً وقد تم عرض الفيلم بجميع مدن سوريا وقد تم شراء عدد كبير جداً من البطاقات لحضور الفيلم خصوصاً في مدينة حمص وحتى على ما أظن قد تم عرضه بمدينة السويداء.
ما هو رأيكم بالمخرجين الإيرانيين وصناعة السينما الإيرانية بشكل عام؟
إن السينما الإيرانية تطورت على مر الزمن وأصبح هناك عدد كبير من المخرجين الإيرانيين العالميين، وحتى من ناحية الميزانية يتم الانفاق عليها بشكل جيد وهذا دليل مبشّر لمستقبل السينما الإيرانية، إضافة لعمل الكوادر الإيرانية الجيد كالمونيتير والماكيير وغيرهم، وأتمنى أن تكون دائماً للأفضل.
الكلمة الأخيرة لكم أستاذ خلدون؟
أريد أن أشكركم وأشكر إدارة مهرجان فجر السينمائي الدولي على كل شيء قدموه، وأتمنى أن يستمر تعاون الشعب السوري لإيصال الصورة الحقيقة من دون أن ننتظر أحد، نحن نريد أن يعلم العالم بأكمله ما الذي حصل معنا ونريد أن نقوم بدعم السينما السورية ليس كفنيين فقط حتى كمواطنين وإن شاء الله سنصل لهدفنا في السينما السورية، وأن تعود سوريا كما كانت وتعود كل قطعة أرض لصاحبها، ورحم الله جميع الشهداء.
مخرج الفيلم: ولد جود سعيد في دمشق (24 نوفمبر 1980)، وهو مخرج ومؤلف سوري. يحمل شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة لويس لوميير في ليون بفرنسا. أول أفلامه كان فيلم قصير بعنوان (مونولوج) بعام 2007.
أما عن أعماله: مثل عام (2015) في فيلم أنا وأنت وأمي وأبي، من مؤلفاته (2013) صديقي الأخير و (2014) مطر حمص و (2017) درب السما، و من أفلامه (2009) مرة أخرى و (2017) درب السما وأيضا فيلم "مطر حمص" (2017) الذي تدور أحداثه حول قصة خيالية تستند لواقع الحرب لمجموعة من الشخصيات تعيش أزمة حمص القديمة، حيث يحاول يوسف ويارا النجاة وخلق الحياة وسط الموت والدمار، برفقة طفلين وعدد من الأشخاص، حيث عاشا في حصار لمدة امتدت إلى 107 أيام استطاعوا فيها الهروب من الموت والحفاظ على حياتهم.