الوقت- في ظل نظام قمعي لطالما عانت منه أذربيجان، اتجهت الأخيرة الأربعاء الفائت نحو انتخابات رئاسية شكلية قبل موعدها المقرّر لخلق ولاية رابعة لرئيسها السابق الهام علييف الذي تربع رئيساً على البلاد منذ سنوات عديدة في ظل مقاطعة كبرى من قبل المعارضة التي رفضت رفضاً قاطعاً مهزلة الانتخابات شكلاً ومضموناً وذلك بعد أن فاحت رائحة الفساد وتجذّرت في حكم علييف.
انتخابات مبكرة ومقاطعة المعارضة
هذا وأعلنت المعارضة مقاطعتها للانتخابات التي أقرّها علييف قبل موعدها المقرر في أبريل واعتبرتها غير شرعية وتفتقر إلى الشفافية التي لا يمتلكها الرئيس الحالي للبلاد، كما وعدت بتظاهرات احتجاجية كبرى مؤكدة أن الخطوة الاستباقية التي اتخذها علييف ليس من شأنها إلا تعميق الديكتاتورية وترسيخ سياسة القمع والاضطهاد دون الرجوع إلى رأي الشعب الذي عانى طويلاً في ظل هذا النظام الذي لم ينفك عن تزوير الأصوات لمصلحة الديكتاتور علييف.
وعلى ضوء الاعتراض الكبير الذي علا صداه طويلاً صرّح رئيس حزب الجبهة الشعبية المعارض علي كريملي قائلاً: "إنهم يحرمون الناس من حرية التعبير والتجمع ويسكتون وسائل الإعلام ويقمعون المعارضة في أذربيجان، وهذه الانتخابات مهزلة والجميع يعرفون أن “علييف” سيقوم بكل بساطة بتزوير النتائج، إن عائلة “علييف” تحكم منذ 45 عاماً، وهذا يتنافى مع مبادئ أي جمهورية ديموقراطية".
ومن جهته صرّح “ناطق جعفرلي” أحد مسؤولي حزب البديل الجمهوري المعارض أنه "لم تتح للمعارضة إمكانية القيام بحملة طبيعية"، وأضاف إن "كل الانتخابات السابقة في أذربيجان تم تزويرها ونظمت بانتهاكات فاضحة للقانون الانتخابي، وهذه الانتخابات أيضاً لم تكن استثناء"، كما تقول الناشطة المعروفة في مكافحة الفساد خديجة إسماعيلوفا: "لعقود، احتكر أفراد عائلة “علييف” ثروات أذربيجان الوطنية، وجمعوا ثروة سرية هائلة"، وأضافت الصحفية الاستقصائية، التي أمضت في السجن 17 شهراً بين 2014 و2016 لاتهامات قالت إنها تهدف إلى إسكاتها "إنهم يتمسكون بالسلطة لمواصلة نهب ثروات البلاد"، فيما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في 2010، عن وجود فيلا فاخرة تقدر قيمتها بـ 60 مليون يورو في دبي باسم نجل الرئيس- الذي كان تلميذاً حينذاك - وابنتيه ارزو وليلى.
وفي ذات السياق لا يخفى أن أذربيجان تواجه نقداً لاذعاً من المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان بسبب القمع الكبير الذي تستخدمه قوات الرئيس علييف في قمع صوت الشعب والمعارضة التي لم تتماشَ مع فكر الرئيس الذي عاث في البلاد فساداً إلى أن هبّت عاصفة المعارضة رافضة الإذعان لعميل صهيوني، فلا عجب أن يستعمل أسلوب القمع مع شعبه وهو بالأصل تلميذ الصهيونية.
عمالة صهيونية موطدة.. وفساد مستشرٍ
لم يكتفِ "علييف" فقط باضطهاد شعبه وقمع الحريات وتحقير آراء الشعب وتزوير الانتخابات بل تطور فساده أكثر فأكثر ليتخذ شكل علاقة غرامية مع الكيان الصهيوني المقرّب منه جداً وهذا ما جعل مسلسل حكم الاضطهاد يتغلغل أكثر، كونه اعتمد على معادلة التطبيع مع الصهاينة، ولا يقتصر الأمر على الفساد فقط بل تعداه ليصل إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي مع أخبث أجهزة الأمن الإسرائيلي، حيث تحوّلت أذربيجان المصدّرة للنفط إلى الدولة المسلمة الأكثر قرباً من إسرائيل في شمال منطقة الشرق الأوسط، وهنا نشير إلى أن العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان بدأت فور إعلان الأخيرة استقلالها عقب تفكك الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991، وهذه العلاقات في طريقها للتطور والتنامي، خاصة أن الرئيس الأذري إلهام علييف يرى في إسرائيل حليفاً استراتيجيّاً.
وبحسب المراقبين، فإن هذا التحالف يزداد قوة على خلفية اندلاع الصراع المتجدد بين أذربيجان وجارتها أرمينيا للسيطرة على إقليم ناغورنو كرباخ المتنازع عليه بينهما، حيث يستخدم جيش أذربيجان في هذه المعارك أسلحة ووسائل قتالية إسرائيلية، فضلاً عن أن أهمية أذربيجان في نظر إسرائيل تكمن في أنها دولة تطلّ على بحر قزوين، ولديها حدود مع إيران وأرمينيا وروسيا وجورجيا، وهي أسباب تثير اهتمام الكيان الصهيوني فضلاً عن كون أذربيجان دولة مصدرة للنفط وموازنتها العسكرية السنوية كبيرة نسبيّاً، ما جعلها تضمّ قاعدة كبيرة لجهاز الموساد الإسرائيلي، بسبب قربها الجغرافي من إيران لتعقب ما يحصل داخلها من تطورات، وقد اتهم ناطقون إيرانيون جارتهم الأذرية بمنح الاستخبارات الإسرائيلية فرصة للقيام بعمليات أمنية فيها، بما في ذلك عمليات تجسس وتنصت ومراقبة فضلاً عن أن قيمة العلاقات التجارية الثنائية بين الكيان الصهيوني وأذربيحان تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، بما في ذلك شراء النفط الأذري لمحطات الطاقة الإسرائيلية إلى جانب صفقات السلاح، فضلاً عن اللقاءات الثنائية المشتركة بينهما، والزيارات المتبادلة بين وزراء الدولتين.
خلاصة القول؛ تبقى كلمة الشعب الأذربيجاني هي الحرة التي تناهض سياسة رئيسهم الذي لم يترك باباً من أبواب الحرية والتعبير عن الرأي إلا وأغلقه بوجه شعبه خدمة لمصالح الكيان الصهيوني الذي لا يفقه من الحريات شيئاً... فمن يصافح العدو الإسرائيلي لا يجب أن ننتظر منه خيراً وهذا هو حال الرئيس الأذري "علييف" الذي يحرك دفة بلاده كما يحلو له ولأسياده في الكيان الصهيوني ناسفاً حرية الشعب عرض الحائط.
