الوقت- كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن احتمال إقالة "تيلرسون" من وزارة الخارجية الأمريكية، لتتحقق بعدها التكهنّات ويغادر، ولكن بسيناريو آخر.
"بخطوة ترامبية" لم تعهدها السياسة، أقيل وزير الخارجية الأسبق بتغريدة على تويتر ليحل مكانه "مايك بومبيو" المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
ما أسباب إقالته؟ وما الذي سنراه في السنوات المتبقية من زعامة ترامب للبيت الأبيض؟
تحدّث الرئيس الأمريكي عن وجود "اختلافات كبيرة" في المواقف بينه وبين تيلرسون حول ملفات عدة ومنها الاتفاق النووي مع إيران، الذي انتقده سيد البيت الأبيض بشدة مراراً وتكراراً قبل وبعد توليه الرئاسة، مهدداً بانسحاب بلاده منه في حال عدم موافقة إيران على تعديله، تزامناً مع التزام وزير الخارجية السابق بالمرونة تجاه الاتفاق ذاته.
ويعتقد ترامب أن الاتفاق رهيب وغير مقبول، بينما كان موقف تيلرسون مغاير تماماً. حيث قال ترامب: "كنا نفكر بطريقتين مختلفتين، بينما مع مايك بومبيو الأمر مختلف، فنحن نفكر بنفس الطريقة، وإننا نتعامل مع بعضنا بشكل جيد منذ الدقيقة الأولى".
على العكس من كلام ترامب، لم يكن تيلرسون مؤيداً للاتفاق النووي مع إيران، وقد أعلن ذلك مراراً، ولكن يمكن القول إنهما كانا يحتاجان إلى تنسيق أكبر مع الاتحاد الأوروبي في هذا المجال ليس أكثر.
يمكن إرجاع سبب الخلاف بين الطرفين إلى عدم تماشي تيلرسون مع ترامب في ملف التزامات أمريكا المالية والعسكرية أمام حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فلطالما أكد تيلرسون للناتو أن بلاده ملتزمة بعهودها له، في وقت كان ترامب يرغب عكس ذلك.
وكان تيلرسون ممن دافعوا عن التواصل مع بيونغ يانغ، وكثيراً ما تعرّضت سياسته للتقويض والتنكر من قبل البيت الأبيض ومن هم حول ترامب، الذي كان يعارض فكرة المحادثات، إلى أن دعي لحضور قمة مع كيم جونغ أون في نهاية شهر أيار، لم يبدِ ترامب سوى القليل من الرغبة في التحضير لها، مستفيداً في ذلك من خبرة وزارة الخارجية ودرايتها.
أما بشأن اتفاقية باريس للمناخ، وانسحاب دونالد ترامب منها، كان لافتاً انتقاد تيلرسون لهذه الخطوة أيضاً.
بالتالي يمكن القول إن وزير الخارجية السابق كان يسعى لترميم قرارات ترامب العجولة والمتهورة، ما أدّى إلى تناقض في التصريحات، وانتهى الأمر بإقالته.
أزمة في السياسة الخارجية
النقطة الأساسية في عزل تيلرسون، يمكن إرجاعها للإخفاقات التي منيت بها السياسة الأمريكية في الخارج. فمنذ عهد جورج بوش حتى أيامنا تعرّض مشروع أمريكا لنكسات عديدة، لم تكن حرب لبنان الثانية وحرب غزة أولها، ولا الهزائم في سوريا والعراق آخرها، وها نحن نرى العجز الأمريكي في السيطرة على كوريا الشمالية، وضعفها أمام الدب الروسي. لذلك يمكن القول إن إقالة تيلرسون جاءت من عجز ترامب أمام الوضع الحالي، وسعيه لتغيير الواقع.
على طريق التطرّف
الآن ومع قدوم بومبيو إلى رأس السياسية الخارجية الأمريكية، وما يشاع عن نية ترامب، تنحية مكماستر من منصب مستشار الأمن القومي، واستبداله بشخصيات كجون بولتون، يمكن القول إن فريق ترامب اكتمل وبات بإمكانه التحرك بسياسة مستفزة أكثر من السابق.
ومن الواضح أن لدى ترامب آمال كبيرة يعقدها على وزير خارجيته الجديد، حيث ينتظر منه "عملاً رائعاً"، خصوصاً على أبواب المفاوضات مع كوريا الشمالية، وبذلك يكون قد أعدّ عدّته للمواجهة مع شخص على الموجة ذاتها دائماً، على حد تعبيره.
ميزتان أساسيتان
إن وزير الخارجية الجديد يتمتع بوجهات نظر مُتشددة ويكّن الولاء لسيد البيت الأبيض رغم كل الاعتبارات.
رأى مهتمّون، أن مايك بومبيو وصل إلى وزارة الخارجية مع ميزتين، تتمثلان في اختلافه عن تيلرسون، ووفاقه مع الرئيس ترامب في الوقت الحالي.
وما يجب الالتفات إليه، هو أن الدبلوماسيين في أمريكا وحلفائها، قد لا يحبون ما يسمعونه من الوزير الجديد. فتيلرسون كان يقدّم عنصراً للاستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى الأقل بعض التحفظ أو القوة الموازنة لبعض اندفاعات ترامب، ولا سيما في القضايا التي تتعلق بإيران وروسيا وكوريا الشمالية والتجارة والمناخ. وعلى الأرجح أن ذلك سيتغير. إذا نجح بومبيو في إظهار ولائه قبل أيّ شيءٍ آخر.
ختاماً، بات واضحاً أن بومبيو أمام اختبار مهم في الفترة المقبلة، وعليه إثبات ولائه الذي يتغنى به، ولا شك أننا سنسمع من الآن وصاعداً صوتاً واحداً من البيت الأبيض، على عكس ما كان يحصل في أيام تيلرسون، فما هي نغمة البيت الأبيض الجديدة؟ وإلى أي مدى ستلقى إعجاب أبناء منطقتنا؟