الوقت - زاد الحديث مؤخراً وطال الجدل، وكثر القيل والقال، بشأن خروج القوات الأجنبية من العراق، وكأن قراراً بديهياً كهذا بحاجة إلى كل هذا الكم من التحليل والتمحيص والاستدلالات لإثبات مساوئ وجود قوات عسكرية على أراض يقول أصحابها إنها ذات استقلال وسيادة.
يقول البعض.. أليس من المخجل والمعيب أن يناقش شركاء العملية السياسية في بغداد وجود قوات عسكرية أجنبية على الأراضي العراقية ؟
البرلمان العراقي حسم كلمته عندما أصدر قراراً يلزم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بوضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية الأراضي العراقية بعد انتهاء ملف الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي، الحجة التي فتحت أبواب العراق أمام عودة الوجود العسكري الأمريكي بعد مغادرته عام 2011.
وسبق أن قدم البرلمان طلباً إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي للحضور من أجل توضيح المسائل المثارة بشأن الوجود العسكري الأمريكي.
لا يزال البعض يخلط الأوراق من أجل نيل مكاسب سياسية، كتلك المحاولات القائلة بأن ملف "خروج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية" ورقة ضغط على العبادي سياسياً قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 12 أيار/مايو المقبل.
ومع أن واشنطن حاولت أن تتهرب من اتفاقياتها مع العراق عام 2011 سعياً منها لإيجاد ذريعة لإبقاء قواتها العسكرية إلا أنها فشلت وسط رفض شعبي وحكومي عراقي آنذاك، ولم تنقضِ سوى ثلاثة أعوام حتى عادت من نافذة القضاء على الإرهاب عام 2014، ورغم انتهاء مسلسل "داعش" لا تزال تناور من أجل البقاء تحت ذرائع مختلفة ومختلقة تنسجم مع مٓن يتلاعب بالثوابت العراقية تحت مظلة الانتخابات المرتقبة.
وبالرغم من أن القضاء على تنظيم "داعش" لم يأتِ إلا بدماء عراقية قدّمها رجالاته من القوات العسكرية والحشد الشعبي، إلا أن البعض من أبناء المنطقة الغربية مازالوا يعتبرون الوجود العسكري الأمريكي مخلّصاً لهم وحامياً لأصواتهم الديمقراطية في المناطق المحررة، وهذا ما يتشبث به صناع "داعش" الذين لا يزالون يتذرعون بمسمى محاربة الإرهاب، وهذا يعيدنا إلى كلمات "جون سوليفان" نائب وزير الخارجية الأمريكي الذي قال "ان الولايات المتحدة لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق" والخروج بنتيجة صارخة، بأن "داعش" خير وسيلة كانت ولا تزال لإعادة الأمريكيين الذين تركوا العراق من أبوابه ليعودوا له من النافذة، فالنافذة هذه مؤمنة ومشرعنة لدى سياسة البعض ممن يتراقصون على أنغام الطائفية.
ومع اقتراب بغداد من رحلة ديمقراطية جديدة، فإن الشارع يتخوف من استمرارية الديمقراطية العراقية المطعّمة بنكهة التدخل الخارجي، حيث إن ما يتجلى من العملية السياسية يفقدها وزن شرعيتها لدى الناخب العراقي، ويزداد التشكيك بالوجود الأمريكي وتعزيز حضوره ودوره في الداخل العراقي، كما أن نشاطه بين شركاء العملية السياسية ينم عن مساعٍ لإدارة الوجه الديمقراطي العراقي بما ينسجم ورغبة واشنطن.
ولعل أكثر ما يخشاه العراقيون المتفائلون بالعملية السياسية رغم رخاوتها ومطباتها، هو أن تتلاعب واشنطن بمقدرات كرسي الحكم في العراق ومستقبله ومرحلته المقبلة المصيرية للبلد بعد انتهاء داعش.
ومما لا شكّ فيه هو أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها الإقليميين يبحثون عن مكانة لهم في العراق الجديد وتحديداً بعد انتهاء ملف داعش وتحرير المناطق الغربية منه، وشرعنة وجودهم بعد طي ملف الإرهاب وذريعة بقائهم.
وكانت قيادات عراقية كشفت قبل أيام عن وجود اتفاق "أمريكي سني" لنشر قوات أمريكية في سهل نينوى وجميع المناطق السنية والمناطق المتنازع عليها للإشراف على الانتخابات المقبلة" ويأتي الاتفاق تحديداً مع "اتحاد القوى".
وحذّر القيادي في تحالف "الفتح" والنائب عن محافظة نينوى "حنين قدو" من عمليات تلاعب واسعة ستحصل في الانتخابات المقبلة لمصلحة "المدعومين أمريكياً". وكان المتحدث باسم ما يدعى بـ "عشائر نينوى العربية" مزاحم الحويت قد كشف في تصاريح سابقة عن تقديم طلب سني "رسمي" إلى الحكومة الأمريكية بشأن إرسال قوات أمريكية للإشراف على الانتخابات المقبلة، مؤكداً أن الجانب الأمريكي وافق على طلبهم.
هنا تقبل واشنطن على تنفيذ مشروعها وسط جو مفعم بالطائفية في الداخل العراقي مع قرب موعد الانتخابات، ما يمهد إلى خطوات تهدف إلى تمزيق البلد سياسياً مروراً بإيجاد حالة من عدم الثقة ما بين بغداد والمنطقة الغربية ما سيدفع إلى وضع متأزم طائفي بامتياز، ختامه "التقسيم".
هنا تتأرجح الديمقراطية وفق ما يتغنى به الغرب والتي تقلدها العراق الجديد، على أكتاف فساد الساسة وانخراط الشارع في الايدلوجيات المذهبية والقومية وصولاً إلى الاقتتال والصراع الداخلي المقيت، إنها ثمار ديمقراطية من فوهة بندقية غربیة.