الوقت- لم يمض أكثر من ستّة أشهر على آخر وأكبر تجربة نووية كوريّة شمالية، ليأخذ التصعيد حينها شكلاً أكبر من أيِّ وقتٍ مضى، غير أنّ ما بات يُعرف "دبلوماسية الرياضة" حال دون تدهور الأوضاع بين الكوريّتين، لتشهد علاقات البلدين حالة من التقارب ربما لم تشهدها منذ عقود طويلة، وذلك إثر زيارة كلٍّ من شقيقة الرئيس الكوري الشمالي "كيم يو" ورئيس هيئة الرئاسة للجمعية الشعبية العليا لكوريا الشمالية "كيم يونغ نام" لجارتهم الجنوبية والمشاركة في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية هناك.
دبلوماسية الرياضة
الأولمبياد المقام حالياً في كوريا الجنوبية يُمثل وكما يقول مراقبون فرصة كبيرة للدبلوماسية الكورية الشمالية، حيث يمكن أن يلعب هذا الأولمبياد دوراً في تطوير العلاقات بين الكوريتين، لأن كوريا الشمالية لا تستطيع أن تعيش في عزلة عن العالم خصوصاً مع ممارسة الولايات المتحدة المزيد من الضغوط لإخضاعها.
ويرى الخبراء أن تمثيل شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون -وأكثر المقربين إليه-، بلادها في هذا الأولمبياد يحمل الكثير من الأبعاد، خصوصاً أنّها حملت خلال زيارتها هذه رسالة شخصية من شقيقها كيم تضمنت دعوة للرئيس الكوري الجنوبي "مون جاي ان" لحضور قمة في بيونغ يانغ.
لكن هذه الدعوة وبحسب مراقبين ستضع مون في ورطة، حيث أنّه وقع بين نارين، الأولى واشنطن التي تُهدده باستمرار بأنها حامية بلاده ضد التهديدات الكوريّة الشمالية "بحسب الوصف الأمريكي"، أما الثانية فهي رغبته بالحوار مع جارته الشمالية، حيث أنّه وفي حال رفض فإنّ أيّ أملٍ بالحوار وتطبيع العلاقات سينتهي، حيث أنّه كثيراً ما يؤكد على ضرورة العمل بشكل أكبر مع كوريا الشمالية لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
الرئيس الكوري الجنوبي لم يعلن الموافقة مباشرة على دعوة الجارة الشمالية؛ إلّا أنّه أكّد على ضرورة عمل الكوريتين على تهيئة الظروف لحدوث اللقاء في المستقبل، مشيراً إلى أنّه سيلبي الدعوة في الوقت المناسب، وفي حال تلبية مون جيه دعوة كيم جون أون، ستكون القمة الثالثة من نوعها بين الكوريتين، بعد لقاءين جمعا الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونج إيل والد الزعيم الحالي والرئيس الكوري الجنوبي "كيم داي جونج" عام 2000، والرئيس "روه مو هيون" عام 2007، في العاصمة بيونج يانج.
العلق الأمريكي
تقارب الكوريّتين أكثر ما أثار انزعاج الأمريكيين الذين سعوا وبكل السبل إلى الحد من هذا التقارب، ويمكن رؤية هذا الانزعاج من خلال تصريحات الساسة الأمريكيين، حيث حذرت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن "نيكي هيلي" من هذا التقارب، معتبرة إياه لا يصب في مصلحة كوريا الجنوبية، مؤكدة في تصريحاتٍ صحفيّة أنّ بلادها لن تقبل بهكذا تقارب دون أن تنزع كوريا الشمالية أسلحتها النووية حيث تقول هيلي: "الولايات المتحدة لن تتعامل بجدية مع أي مفاوضات ما لم تتخذ أطرافها خطوات تؤدي إلى حرمان كوريا الشمالية من ترسانتها النووية".
التصريحات الأمريكية إثر لقاءات ساسة الكوريتين بدت أكثر حدّة من ذي قبل، حيث قالت هيلي: "نعتبر النظام الكوري الشمالي متهوّراً للغاية، ولسنا بحاجة إلى حلول مؤقّتة، وإلى التقاط صور ونحن مبتسمون فيها، ونعتقد أنه ينبغي علينا إيقاف برنامجهم النووي، وعليهم تجميده فوراً"، مضيفة في تصريحات موجهة لكوريا الجنوبية كما يقول مراقبون: "وردت مؤشرات على أن بيونغ يانغ قد تتهيّأ لتجربة صاروخية جديدة".
هذه التحذيرات قرأ بها عدد من المراقبين أنّ أمريكا باتت توجه رسائلها إلى كوريا الجنوبية، مهددةً إياها من مغبّة التعامل مع شقيقتها الشمالية، أما هدف أمريكا من هذا الأمر وحسب المراقبون هو الحفاظ على رواج تجارة السلاح لكوريا الجنوبية مع التهديد المستمر من خطر الجارة الشمالية.
وفي تحريض مشابه هدفه الحد من التقارب بين الكوريتين، قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، إن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان متفقة تماماً على عزل كوريا الشمالية بسبب برنامجها للأسلحة النووية.
ويرى مراقبون أنّ التهديد الأمريكي لكوريا الجنوبية شبيه بالتهديدات التي تسوقها واشنطن لعدد من الدول العربية المُطلّة على الخليج الفارسي من الخطر الإيراني، حيث أنّ هدفه فقط هو ترويج تجارة الأسلحة بين تلك الدول التي باتت المستورد الأول لها في العالم.
وفي الختام لابدّ من التأكيد على أنّ صانع وتاجر السلاح الأمريكي سعى ويسعى دائماً إلى إشاعة حالة اللا أمن واللااستقرار في العالم؛ وذلك بهدف الحفاظ على وجوده العسكري في مختلف مناطق العالم، ومن جهةٍ أخرى الحفاظ على رواج تجارة السلاح، حيث تُشكل هذه التجارة أكبر مصادر تمويل الخزينة الأمريكية.