الوقت- شهدت عددا من المدن الإيرانية مظاهرات سلمية احتجاجا على الغلاء المرتقب في ميزانية العام الجديدة 1397 (يبدأ في 21 مارس/آذار2018) والتي قدّمها الرئيس حسن روحاني إلى مجلس الشورى الإسلامي للمناقشة تحت قبّة البرلمان.
"مثيرو الفتنة"، كما يسميهم الشعب الإيراني، انتهزوا هذه المظاهرات السلميّة بغية إثارة الشغب مستخدمين بعض أسلحة الصيد ما أدّى إلى وقوع حوالي 12 قتيلاً (حصيلة غير نهائية) من المتظاهرين وقوات حفظ الأمن، بينهم اثنين من المتظاهرين السلميين قضوا دهساً بعد أن سرق أحد مثيرة الشعب سيارة "اطفائية".
وفي حين استقرّ الأمر في العديد من المحافظات، بالتزامن مع احتجاجات رمزيّة وغضب شعبي عام إزاء تصرّفات مثيري الشعب الذين تورّطوا بدماء المتظاهرين السلميين وقوات الأمن على حدّ سواء، تظهر منذ الساعات الأولى للمظاهرات موجة من الفَرح في كل من واشنطن والسعوديّة وتل أبيب.
الآلة السعوديّة الإعلاميّة سنّت رمحها منذ اليوم الأوّل، مذكّرة بخطاب بن سلمان الذي توعّد فيه بنقل المواجهة إلى الداخل الإيراني، ليتحدّث لاحقاً أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، عن دور سعودي في الاحتجاجات التي تشهدها بلاده، قائلاً: إن 27 في المئة من المشاركين في الحملة على إيران عبر الإنترنت يتبعون لحكومة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
لسنا في وارد الخوض في تفاصيل الرماح الباليّة، الرماح الخشبية التي انكسر رأسها في العام 2009، بل ما يهمّنا، لا ندري يضحكنا أو يبكينا، هو التطرّق لمادّة التظاهر والاحتجاج بين كل من إيران والسعوديّة، عبر إجراء مقارنة سريعة لهذه المسألة بين البلدين.
حق التظاهر: يكفل الدستور الإيراني حقّ التظاهر السلمي بعد الحصول على الإذن من الجهات المختصّة (وزارة الداخليّة)، دون الإخلال بالأمن أو التعدي على الممتلكات العامّة والخاصّة، وفي المقابل تُمنع التجمّعات في السعوديّة بتاتاً وتعرّض صاحبها للسجن أو حتى الإعدام بتهمة الخروج على السلطان!
حقّ الاعتراض: إضافةً إلى حقّ التظاهر، يحقّ لأي مواطن ايراني الاعتراض ضمن الأطر الرسميّة على أي قرار، إلا أن هذا الاعتراض غير ملزم للجهة التي تتلقّى الشكاوى، أو الجهة التي تصلها الشكاوى، في المقابل لا يحقّ للسعوديين الاعتراض على الوضع القائم، بل إن أقصى ما ما يقوم به البعض هو التصفيق للحكومة بعد التسبيح بحمد "أبي فهد" (الملك سلمان)، في حين أنّ شريحة واسعة تلتحف الصمت المطبق.
حقّ الانتخاب: وأمّا حقّ الانتخاب، فحدّث ولا حرج. في ايران، تبدأ الانتخابات من مجالس الجامعات البلدية والانتخابات النيابية والرئاسيّة، لا بل حتّى "الولي الفقيه" يتمّ انتخابه بصورة غير مباشرة من قبل الشعب الذين ينتخبون مجلس خبراء القيادة تماماً كما ينتخبون نواب البرلمان. ويمتلك هذا المجلس حق عزل وتعيين الولي الفقيه. في المقابل، لا يوجد مصطلح الانتخابات في القاموس السعودي، بل المبايعة فحسب، ومن ضمنها المبايعة لملك من ورق. التدخل السعودي دفع ببعض الإيرانيين لترديد ما ورد في الإعلام العربي عن آخر انتخابات ديموقراطيّة حصلت في السعودية "هي عندما انتخبت قريش من كل قبيلة رجلا لقتل رسول الله محمد صلى الله عليه و على آله و على صحبه الطيبين"!
حقّ الرأي الآخر: تنقسم الشريحة الأكبر للشعب الإيراني بين مبدأي (هي الترجمة الصحيحة، وليس محافظ كما يترجمها البعض)، وإصلاحي، ولعل وجود شريحة عائمة كبيرة تؤيد هذا الطرف أو ذاك هو السبب الرئيسي في تبادل الأدوار في الرئاسة (الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي لدورتين-الرئيس الأصولي محمود أحمدي نجاد لدورتين- وحالياً الرئيس المعتدل حسن روحاني في دورته الثانيّة). في المقابل، لا يوجد في السعوديّة شيئ اسمه رأي آخر حيث يسود رأي واحد في السعودية وهو رأي "الذات الملكية"، وأي اعتراض يستلزم تبعات ثقيلة كالسجن والجلد، بل وحتّى الإعدام.
حق الادعاء: يمتلك الشعب الإيراني، وكذلك المؤسسات، حقّ الإدعاء علي أيّ جهة كانت أمام السلطة القضائية، ولعل هذا الأمر خلق حالة من التنافس بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن من يمتلك حقّ الادعاء على الحكومة على سبيل المثال في السعوديّة. القرار هناك بيد رجل واحد الملك، وحاليّاً ولي العهد.
وسائل الإعلام: في كل دورة حكومية هناك شريحة إعلاميّة تهاجم الرئيس الإيراني مقابل شريحة أخرى تدعمه، ولكن هل سمعتم عن أيّ وسلية إعلاميّة سعوديّة تنتقد أداء الحكومة؟
نكتفي بهذا القدر من المقارنة بين الحريات في السعودية وايران، مقارنة لو أردنا إيفاء حقّها لطالت كثيراً.
ختاماً، لا ننكر وجود اخطاء في إيران، كما في كافّة دول العالم، فهناك ليست المدينة الفاضلة التي تحدث عنها أفلاطون، ولا أيّ مدينة في عصرنا الحالي كذلك، ولكن جملة من المقوّمات تجعل من هذا البلد دولة ديموقرطيّة بحقّ شعبها، وأما رأيي في الديموقراطيّة والحريات السعوديّة فلا يصلح للنشر، لذلك أكتفي بالقول: "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة".