الوقت - مما لا شك فيه أن من أبرز الظواهر والمؤثرات التي طرأت على الساحة الداخلية في العراق والمنطقة خلال السنوات الأخيرة، ظهور الحشد الشعبي العراقي الذي تم تشكيله بعد فتوى آية الله السيستاني بالجهاد الكفائي ضد تنظيم داعش الارهابي والذي تم التصويت عليه من قبل البرلمان العراقي في نوفمبر / تشرين الثاني 2016.
وفي السياق ذاته، وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي في 9 كانون الأول / ديسمبر عن انتهاء الحرب على تنظيم داعش، تواجد أحد قيادات الحشد الشعبي، الشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، على الحدود الجنوبية للبنان مع الأراضي المحتلة، وأكد فيها ان الحركة على استعداد تام للوقوف في طابور واحد مع الشعب اللبناني بشأن القضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ويمكن دراسة أهمية هذه المسألة وعواقبها في ابعاد وجوانب مختلفة.
الحشد الشعبي ليس طائفيا
وفي أعقاب النجاحات الكبيرة التي حققتها قوات الحشد الشعبي في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وتصفية عناصر هذا التنظيم من صحاريها الغربية على طول الحدود مع سوريا والتي كان من الممكن أن تشكل تهديدا مستمرا ومحتملا للأمن القومي العراقي من حيث توفير وتخطيط العمليات الإرهابية في المدن العراقية، اضافة الى الدور الفعال الذي تقوم به قوات الحشد الشعبي في إفشال وإجهاض المخططات الرامية الى التقسيم من قبل التيارات المتطرفة بين الاطراف الكردية المدعومة من الخارج، كل هذا سبب تزايد شعبية وشرعية هذه القوة في العراق يوما بعد يوم.
وبسبب تعارض الأيديولوجية والأهداف السياسية للحشد الشعبي مع مصالح الغرب وحلفائه الإقليميين في العراق، فقد ادى بهذه الدول، الى التفكير بحل الحشد الشعبي إن أمكن، اضافة الى تضييق القاعدة الجماهيرية والشعبية للحشد وذلك من خلال خلق هالة إعلامية واسعة ضده.
وأهم جزء من هذا المخطط هو إظهار هيئة الحشد على اساس انها هيئة طائفية تسعى فقط لتحقيق مصالح ومواقف الشيعة (وتقتصر على الأطراف الشيعية القريبة من إيران) وانها ستمثل تهديدا على الأقليات الدينية الأخرى والأطراف والأحزاب السياسية والحركات السياسية في المستقبل.
ومن هنا، فإن خطوة قيادي الحشد هذه بتواجده على الحدود اللبنانية المجاورة للكيان الإسرائيلي، وإعلانه عن مواقف مؤيدة وداعمة للشعب الفلسطيني الذي يُشكل السُنة غالبية سكانه ولا يوجد تقارب بينهم وبين الحشد الشعبي على المستوى الايدئولوجي، تُبين زيف المزاعم التي تُطلق على الحشد الشعبي بأنه طائفي.
الحشد الشعبي جزء من محور المقاومة
بعد القضاء على تنظيم داعش بالكامل في العراق وإعلان رئيس الوزراء العراقي عن ذلك، يحاول الآن الخصوم الغربيون والإقليميون الضغط على حكومة العبادي لحل الحشد الشعبي بحجة ان تهديد داعش قد اختفى عن العراق نهائيا وان العراق لم يعد بحاجة الى الحشد الشعبي بعد هذه المرحلة.
وبناء على ذلك، فإن تواجد قيادي الحشد يؤكد بطريقة ما استمرار نشاط الحشد الشعبي كعضو جديد في المقاومة الإسلامية ضد هيمنة الغرب ووجوده العدائي في المنطقة، الذي شكل تهديدا على مصالح الشعوب الإسلامية في المنطقة خلال القرون الأخيرة.
في الحقيقة أنه في ظل هذه الخطوة، سيسعى الحشد الشعبي الى توسيع نطاقه الميداني بموازاة الضغوط والمؤامرات الخارجية على العراق من أجل تحقيق التوازن مع التهديد الذي يتعرض له من قبل الأعداء والبلدان المعادية مثل السعودية والكيان الإسرائيلي المتورطين في قضية تنظيم داعش وقضية الانفصال في شمال العراق.
إن الإعلان عن وجود علاقات وتعاون على مختلف الاصعدة الاستخباراتية والعسكرية مع حزب الله اللبناني هو هدف آخر من هذه الخطوة. في الأشهر الأخيرة، شنت السعودية تحركات واسعة ضد حزب الله في لبنان للحد من قوة هذا الحزب المؤثر في التطورات السياسية الداخلية في لبنان والمنطقة، حيث من الممكن ان تثير هذه التحركات الكيان الإسرائيلي للهجوم على جنوب لبنان. لذلك، فإن إعلان الحشد الشعبي عن دعمه لحزب الله اللبناني له أهمية كبيرة على هذا الصعيد.
وسائل الاعلام الإسرائيلية قالت ان زيارة القيس الخزعلي الى حدود فلسطين المحتلة هي محاولة من حزب الله للتأكيد على ان الحزب هو قوة اقليمية لديه شركاء دوليون مستعدون للقتال الى جانبه.
تكثيف الضغوط
الولايات المتحدة أعلنت أنها لن تسحب قواتها من العراق وسوريا بحجة منع تنظيم داعش من العودة إلى البلدين مرة اخرى. وفي الوقت نفسه، عارض قادة الحشد الشعبي بشدة موقف المسؤولين الأمريكيين.
وعلى هذا الأساس، وفي ظل زيارة الأمين العام لحركة النجباء العراقية، الشيخ اكرم الكعبي الى نقطة الصفر بين لبنان والكيان الإسرائيلي، من الممكن ان نشاهد في المستقبل مساعي امريكية كبيرة لزيادة الضغط على الحشد الشعبي، بتهديدهم بتصنيف قيادات وفصائل الحشد على قائمة الإرهاب. واذا تحقق هذا الأمر، فإنه سيشكل تحديا خطيرا للعلاقات الأمريكية العراقية.