الوقت- "ما هو الوطن.. ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي.. إنه حياتك وقضيتك معاً" هكذا كتب محمود درويش يوما ما، فاتحا بكلماته أغوارا تلهب النفس وتعزز الانتماء وتختصر جوهر القضية في العالم العربي الذي تهجر قسم كبير من أبنائه خارج أوطانهم خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة للحروب والنزاعات الداخلية وكانت الهجرة الأكبر من نصيب السوريين الذين انتشروا على مساحة العالم بحثا عن بعض الهدوء والأمان والاستقرار وأملا بحياة أفضل لهم ولأبناءهم، وهذا حق مشروع ولكن ما نتائج هذا الأمر بعد سنوات الأزمة السبع؟ وهل حقق السوريون غايتهم في العيش الرغيد؟!.
الأرقام والإحصائيات والأحداث والوقائع تقول "لا" وهذه الـ"لا" ليست حكرا على السوريين في مخيمات لبنان وتركيا والأردن بل تنطبق وربما أكثر على اللاجئين السوريين في المانيا ودول الغرب، إذ تذوق السوريون طعم المرارة في المخيمات وامتحنوا قساوة الحياة خارج حدود الوطن وتعرضوا للذل في بعض الأحيان من قبل دول مجاورة وأجبروا على الإقرار ببعض القوانين والمسائل التي تتنافى مع مبادئهم في الغرب وفي حال رفضهم يتم تخفيض مساعداتهم الاجتماعية إلى جانب تغيير وضع الإقامة التي يعيشون بموجبها.
أدرك السوريين صعوبة الحياة خارج منازلهم داخل البلاد وخارجها، لذلك كنا نجدهم يراقبون مجريات الأمور على الساحة السورية لحظة بلحظة أملا بعودة الاستقرار إلى المناطق التي تم تهجيرهم منها، وما أن تمكن الجيش السوري وحلفاءه من القضاء على داعش حتى شهدنا عودة كبيرة للاجئين السوريين إلى مناطقهم، فضلا عن بدء هجرة عكسية من أوربا إلى سوريا، تزامنت هذه الهجرة العكسية مع تحرير الجيش السوري لمناطق واسعة من البلاد على مدار الأشهر الماضية وترحيب الدولة السورية بعودة أبناءها وحثهم على ذلك وتقديم ضمانات للجميع وتقديم وعود بـ"تأمين متطلبات الحياة الكريمة لهم" بحسب كلام وزير الخارجية السوري، وليد المعلم في وقت سابق.
عودة الاجئين
مؤخرا ارتفعت وتيرة عودة اللاجئين السوريين "الطوعية" من عدة دول مجاورة أبرزها "الأردن" التي عاد منه اللاجئون السوريون إلى مناطق الجنوب السوري، وذلك مع استمرار حالة الهدوء في هذه المناطق منذ قرابة الشهرين بعد إعلان الهدنة في جنوب غربي سوريا.
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن اللاجئين السوريين من محافظة درعا هم الأكثر تسجيلا في الأردن بعدد 275 ألفا و558 لاجئا، من أصل 657 ألفا و334 لاجئا سوريا في المملكة، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين منهم فى تركيا، ومليون آخر فى لبنان.
وبحسب المفوضية وما تناقله وسائل إعلام أردنية عديدة فقد شهدت مناطق الجنوب السوري مؤخراً عودة طوعية كبيرة للاجئين من الأردن بعد حالة من الهدوء أفرزتها اتفاقات عمان، وتحديدًا في مدن درعا والقنيطرة والسويداء.
حيث ارتفع عدد اللاجئين الذين عادوا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ليصل إلى معدل 1000 لاجئ شهرياً، مقارنة بالنصف الأول من العام الحالي والذي شهد عودة حوالي 1700 لاجئ. حيث تشير المفوضية إلى أن شهر تشرين أول /أكتوبر الماضي، شهد عودة 750 لاجئاً من الأردن إلى سوريا، و1078 عائدًا طوعيًا في شهر أيلول /سبتمبر الماضي، و1203 في آب /أغسطس الماضي، وهو ما يعني زيادة كبيرة بالفعل مقارنة بالأشهر الستة الأولى من العام.
وأشار مراقبون إلى أن أعداد العائدين هذه ستكون مرشحة إلى الارتفاع أكثر فأكثر إذا ما استمر الهدوء في مناطق الجنوب السوري.
العودة من أوروبا
واجه السوريون صعوبة في الاندماج مع المجتمع الأوروبي لأسباب عديدة، منها اختلاف العادات والأعراف وعدم فهم طبيعة الشعب هناك، وعودة الأمان والاستقرار لأجزاء كبيرة من بلادهم، لذلك قرر قسم كبير من هؤلاء اللاجئين العودة إلى أوطانهم طواعية.
ووصل عدد اللاجئين في أوروبا هذا العام إلى 400 ألف لاجىء موزعين على الدول التالية: ألمانيا، السويد، النروج، النمسا، فرنسا، المملكة المتحدة وهنغاريا، ولكن حملات العودة إلى الوطن بدأت تنتشر فيما بينهم بشكل كبير، وقام اللاجئون بتشكيل مجموعات عدة على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تقدم نصائح ومعلومات حول كيفية العودة من أوروبا إلى اليونان ثم تركيا، مثل مجموعة "كراجات الهجرة العكسية" (وفيها ما يزيد عن 22 ألف عضو)، و"الهجرة العكسية من أوروبا إلى اليونان وتركيا"، وغيرها.
مواقف صعبة
تعرض السوريون لمواقف محرجة وصعبة وصلت إلى درجة الذل من قبل دول مجاورة، وهنا نذكر أمثلة، فمثلا في تركيا قام جنود أتراك بإجبار لاجئين سوريين كانوا يرغبون بعبور الحدود على ارتداء ملابس داخلية نسائية فاضحة، وقبل هذه الحادثة انتشر مقطع فيديو يظهر جنود اتراك يضربون لاجىء سوري بوحشية، وفي لبنان أيضا تعرض بعض اللاجئين لمعاملة وحشية من قبل بعض الجهات وعلى اثر ذلك خرجت مظاهرات في لبنان للتضامن مع اللاجئين.
في الختام؛ أيا يكن البلد الذي يلجأ إليه الانسان لن يجد طعم الراحة إلا في بلده، هناك حيث عاش وتذوق الحياة بحلاوتها ومرها مع عائلته وأصدقائه وبجانب أرضه وبيته، ولكن بكل الاحوال ما يجري الآن يعطي مؤشرات إيجابية بأن الحياة بدات تعود تدريجيا إلى سوريا، وأن الحل أصبح على الأبواب.