الوقت - "قمة شوتشي" أرخت بظلالها على الأزمة السورية وغلفتها بإطار سياسي دبلوماسي فعال جاء تتويجا لاجتماعات آستانا وعدة اجتماعات أخرى سبقت القمة التي سيكون لها نتائج إيجابية على التسوية السياسية في سوريا لما حملته من رسائل هامة على المستوى السياسي والميداني، إذ جاءت في وقت تزامن مع القضاء على "داعش" في سوريا وقبل مفاوضات جنيف 8 لتعلن على الملأ وللجميع أن مشروع التقسيم في سوريا انتهى إلى غير رجعة وكذلك الأمر بالنسبة للعمليات العسكرية التي شارفت على نهايتها.
القمة الثلاثية التي جمعت زعماء كل من "روسيا، تركيا وإيران" في مدينة سوتشي جنوب روسيا يوم 22 نوفمبر 2017، ستكون خطوة إيجابية فعالة نحو بناء مستقبل جديد لسوريا لا يقصي أحدا بل على العكس يشارك جميع الاطراف فيه من خلال الجلوس حول طاولة حوار وطني سوري شامل بادرت روسيا على اقتراحها في "قمة سوتشي" وكان لها تجاوب كبير من قبل "تركيا وإيران"، وقال الرئيس الروسي في هذا السياق إن "الرئيسين الإيراني والتركي دعما مبادرة عقد مؤتمر وطني سوري" في سوتشي في جنوب غرب روسيا، معتبرا أن هذا المؤتمر سيشكل "حافزا" لتسوية النزاع في سوريا في إطار محادثات السلام التي تجري في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة.
وكشف بوتين أن الزعماء الثلاثة أصدروا أوامر للأجهزة الدبلوماسية والأمنية والدفاعية في بلادهم بالعمل على تحديد شكل المؤتمر وموعده. وأكد الرئيس الروسي لضيفيه أن الحكومة السورية ملتزمة بعملية السلام والإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات حرة. وقال إنهم اتفقوا على تكثيف الجهود للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا.
الحكومة السورية
من خلال قراءة الأحداث السورية وما جرى في أرض الميدان خلال الأشهر القليلة الماضية يمكن أن نجد أن الحكومة السورية أصبحت أقوى من ذي قبل بعشرات المرات بسبب تمكنها من استعادة السيطرة على جزء كبير من أراضي البلاد، وحفاظها على وحدة الأرض السورية من خلال جيشها الذي أثبت جدارته على مدى سبع سنوات من الأزمة على عكس الكثير من جيوش المنطقة، وتعاون حلفاء دمشق مع هذا الجيش وتقديم الدعم له على جميع الأصعدة للقضاء على الإرهاب الذي بدأ يهدد المنطقة برمتها، وبالفعل تمكن هذا التحالف أن يحقق انتصارات كبيرة على أرض الواقع وما زيارة الرئيس السوري يوم الاثنين الماضي إلى روسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطوة كانت مفاجأة للجميع إلا إعلان انتصار على الإرهاب في سوريا وطي صفحة مظلمة على أخطر تنظيم في المنطقة.
من هنا نجد أن موقف الحكومة السورية سيكون قوياً في المفاوضات وبالتالي لا يمكن للمعارضة أن تتعنت على مواقفها السابقة، خاصة أن واشنطن الداعم الاكبر لها تخلت عن طرح مسألة استقالة الرئيس السوري بهذه السرعة وكذلك الامر بالنسبة لتركيا التي لا يأتي رئيسها على ذكر أي شيء يخص مصير الرئيس السوري بشار الأسد واكتفى بالحديث عن إبعاد "العناصر الإرهابية" من التسوية السياسية في سوريا.
أمريكا
من الناحية الظاهرية للأمر واضح جدا أن واشنطن خارج اللعبة السياسية في سوريا وكأنها أوكلت المهمة لروسيا في إدارة هذا الملف الذي شارف على نهايته من الناحية السياسية وربما العسكرية، ومع ذلك لا يمكن الوثوق كثيرا بالأمريكي الذي ما زال يتواجد على الاراضي السورية مع 13 قاعدة عسكرية دون أي مبرر لذلك خاصة بعد القضاء على داعش، وهذا التواجد الامريكي كان محط استنكار القيادة السورية التي طالبت بخروجه دون أي شرط أو قيد، وكذلك الامر بالنسبة لإيران التي تكلم رئيسها حسن روحاني في ختام قمة سوتشي قائلاً: "لم تعد هناك ذريعة للإبقاء على وجود عسكري أجنبي على أراضي سوريا دون موافقة الحكومة الشرعية لهذا البلد".
واليوم كان لافتا جدا موقف روسيا من التواجد الامريكي على الاراضي السورية، حيث صرحت الخارجية الروسية أن "واشنطن ستبقي قواتها في سوريا دون إذن أو دعوة من دمشق وهو انتهاك لإرادة الحكومة الشرعية"، وأضافت أن "الأميركيون يتصرفون بشكل قريب من مفهوم الاحتلال في سوريا".
حتى تركيا هاجمت واشنطن على لسان رئيسها أردوغان الأسبوع الماضي حيث شن أردوغان، هجوما حادا على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياستها في سوريا، قائلاً: "للأسف الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بالإيفاء بوعودها في سوريا وبدلا من القضاء على المنظمات الإرهابية تعاونوا معهم وقدموا لهم الدعم".
هذا التحول في الموقف التركي وانسجامه مع الموقف الروسي والايراني والسوري سيكون له وقع خاص في القادم من الأيام وربما نشهد دخول تركيا في حلف جديد رباعي يضم سوريا إلى جانب روسيا وإيران، خاصة ان الموقف التركي جاء متناغما إلى حد كبير مع الموقف الروسي والإيراني حول مصير سوريا ومستقبلها والتسوية السياسية القادمة من جهة، ومن جهة أخرى بدا أن مشكلة أردوغان لم تعد مع الجيش السوري بل مع النشاط الكردي داخل سوريا وكيفية التعامل معه.
سوريا اليوم أفضل من السابق بكثير ولكن هذا لايعني أن المرحلة القادمة ستكون خالية من بعض المشاكل التي قد تلعب فيها واشنطن دورا ما، خاصة إن وجدت نفسها خارج المفاوضات القادمة، ولكن في الوقت نفسه سنجد تحسناً كبيرا في الداخل السوري إذا أبدى الطرفان "الحكومة والمعارضة" تنازلات معينة للحفاظ على وحدة بلادهم واستقلالها.