الوقت- لقد لعبت الحكومة المصرية برئاسة "عبد الفتاح السيسي" خلال السنوات الماضية دورا بسيطاً وهامشياً في حل بعض القضايا والأزمات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا السبب نرى بأن "القاهرة" تخلت عن استراتيجيتها الماضية هذه المتعلقة بالتطورات الأخيرة في المنطقة، وسعت للقيام بدور فعَال لحل ألازمات والقضايا الكبرى التي تعصف بالمنطقة. وفي هذا الصدد، صرح الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، في مقابلة اجراها قبل بضعة أيام مع شبكة "فرانس 24" الإخبارية، بأن لديه الرغبة في تخفيف حدة التوتر مع طهران وتحدث علنا في أنه يأمل أن يلعب دورا أيجابيا لتحسين علاقات بلاده مع طهران والتي انقطعت لمدة 40 عاما. وفي سياق متصل تحدث "السيسي" حول الأزمة السورية وصرح بأن الحفاظ على وحدة وسلامة هذا البلد، يُعد من اهم القضايا التي تضمن أمن وسلامة المنطقة واكد على ضرورة الحفاظ على الحكومة الوطنية في سوريا ولفت إلى انه من الضروري اقامة انتخابات شعبية في سوريا لترسيخ السلام فيها ومن جهة اُخرى اكد بأن الطريقة الوحيدة لإنهاء الاضطرابات والأزمات في المنطقة وخاصة في سوريا وليبيا والصومال، هي بمواجهة التطرف.
وبالنظر إلى هذه الملاحظات المذكورة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ماهي الأسباب التي دفعت "القاهرة" إلى اعتماد نهج جديد في سياساتها الخارجية؟
1) الأزمة السورية والأمن القومي المصري: لقد تولت حكومة الرئيس "السيسي"، السلطة بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق "محمد مرسي" المحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين، وبعد ذلك قامت هذا الحكومة بتصنيف هذه الجماعة، كجماعة إرهابية وضمتها إلى قائمة الجماعات الإرهابية وقامت أيضا بحظر الأنشطة السياسية والميدانية التي كان يقوم بها أنصار هذه الجماعة في مصر ووضعت زعمائها السياسيين في السجن. الجدير بالذكر هنا بأن هذه الجماعة كانت تتلقى الدعم من تركيا وقطر وكانت تحارب في سوريا ضد حكومتها الشرعية. ولهذا، فلقد قام الرئيس "السيسي" بعد توليه السلطة في مصر، بالعمل على تحسين علاقاته الخارجية مع الحكومة السورية، والبدء في تغيير مسار السياسة الخارجية المصرية نحو دعم وحدة سوريا والاعتراف بشرعية الرئيس "بشار الأسد".
2) مواجهة تنظيم "داعش" والحاجة إلى إيران: لقد لعب محور المقاومة دوراً هاماً في محاربة الجماعات التكفيرية والإرهابية في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة المصرية أيقنت مؤخراً بأنه يجب عليها التوجه نحو التعاون مع بلدان محور المقاومة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، كتنظيم داعش الإرهابي، الذي أنشأ له مقرات في بعض مناطق صحرا سيناء.
3) فتور العلاقات مع السعودية: على الرغم من أن السعودية سعت في كثيرٍ من الآحيان إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين بقيادة "مرسي" في مصر وحاولت الاقتراب والتقرب إلى حكومة "القاهرة" الحالية وإرسال الكثير من المساعدات الاقتصادية لها، إلا أنها لم تستطع أقامة علاقات قوية معها وذلك يرجع إلى وجود خلافات سياسية قوضت هذه العلاقات ومن بين تلك الخلافات، هي تلك التي تخص القضية السورية والعراقية والدعم الذي تقدمه السعودية للجماعات الإرهابية التي وسعت نطاق عملياتها إلى أن وصلت إلى مصر. وفي هذا الصدد، يرى الكثير من المواطنين المصريين بإن تلك المساعدات الاقتصادية التي ترسلها السعودية لمصر، ما هي إلا ذريعة للسيطرة على استقلالية الحكومة في سياساتها الخارجية.
4) استعادة السلطة والمكانة الإقليمية: لقد كانت "مصر" خلال النصف الثاني من القرن العشرين وخاصة خلال عهد الرئيس السابق "جمال عبد الناصر"، من أهم الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، التي كان لها دورا أساسيا في حل الكثير من القضايا السياسية والتي كانت أيضا تمتلك قوات عسكرية كبيرة. ففي عهد الرئيس "جمال عبد الناصر"، كانت "مصر" تتزعم الدول العربية المعارضة للنظام الصهيوني، بأيديولوجية يسارية وقومية عربية ولكن القيادة المصرية خلال عهد "أنور السادات" ثم في عهد "مبارك"، أصبحت ضعيفة، حيث سعت إلى إقامة علاقات جيدة مع النظام الصهيوني وخلال تلك الفترة حاولت السعودية أن تحل محل "مصر" لتتزعم الدول العربية بأيديولوجية متطرفة ووهابية.
لقد ازدادت المشاكل الداخلية في الداخل المصري وأصبحت الحكومة المصرية في وضع لا تحسد عليه، خاصة بعد حدوث الثورة في بعض الدول العربية ومن بينها مصر. ولكنه في الوقت الحالي، بدأت السلطات المصرية، بالعمل على العودة إلى مكانتها السابقة في العالم العربي. وبناءً على ذلك، فإن الحكومة المصرية تحاول إظهار أثرها الإيجابي على أحداث المنطقة وذلك بالتوسط بين "حماس" و"فتح" لحل القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، تركز الحكومة المصرية على القضايا السورية وحكومتها الوطنية.
تجدر الإشارة هنا بأن الرئيس "السيسي" يسعى لمشاركة قوات محور المقاومة فوزها والتعاون معها للقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا وذلك عندما رأى بأن الحكومة السورية وبمساعدة محور المقاومة، تسعی إلى تطهير الأراضي السورية من تنظيم "داعش" الإرهابي ومن بعض الجماعات التكفيرية. ونظرا لسياسات السعودية، التي قدمت وتقدم الكثير من الدعم للجماعات التكفيرية، فضلا عن إشعالها لحروب إقليمية في المنطقة، كتلك التي تقوم بها في اليمن وتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين والخ فكل تلك السياسات، قد تسببت في ازدياد حالة السخط والكراهية لـ"آل سعود" في المنطقة ولهذا فإن الحكومة المصرية تحاول الرجوع إلى مكانتها الإقليمية في المنطقة، بالابتعاد عن السعودية ولذلك، فإن التقرب من محور المقاومة وداعمها الرئيسي، "يعني إيران"، هو أحد اهتمامات القاهرة الخاصة والتي ذكرها الرئيس "السيسي" في تصريحاته الأخيرة.
في الواقع، لقد أدرك الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، بأن الخيار الأنسب لحل العديد من القضايا الإقليمية كمكافحة الإرهاب والتطرف، هو التعاون مع محور المقاومة والاستعانة بالحلول السياسية والدبلوماسية بدلا عن الحلول العسكرية لحل ألازمات المشتعلة في المنطقة.