الوقت- مغادرة الوطن الأم بطبيعة الحال قاسية فكيف إذا ما كانت تحت ظروف استثنائية مثل الحرب وماشابه ذلك، وبما أن المنطقة تشهد صراعات ساخنة منذ مايزيد عن العقد لبعض الدول وعدة سنوات لبعضها الآخر فإن أبناءها أجبروا على النزوح ومغادرة منازلهم إلى أماكن أكثر آمنا واستقرارا علهم بمستوى معيشي أفضل ويحظون ببعض الهدوء والطمأنينة ولكن ما جرى وما شاهدت أعينهم كان على عكس توقعات الغالبية منهم.
ونتيجة لعدم قدرتهم على الاندماج مع المجتمع الأوروبي لأسباب عديدة، منها اختلاف العادات والأعراف وعدم فهم طبيعة الشعب هناك، وعودة الأمان والاستقرار لأجزاء كبيرة من بلادهم قرر قسم كبير من هؤلاء اللاجئين العودة إلى أوطانهم طواعية وهنا نقصد لاجئوا سوريا والعراق بالتحديد.
لاجئوا سوريا والعراق
نبدأ من سوريا التي تشهد عودة قسم كبير من مواطنيها اللاجئين في أوروبا وغير أوروبا إلى حضن الوطن، ويعود هذا لأسباب عديدة، أهمها التقدم الكبير للجيش السوري في شرق البلاد وجنوبها فضلا عن تحريره مدناً بأكملها من قبضة إرهابيي "داعش" كما فعل اليوم بالميادين، هذه السيطرة الكبيرة من قبل الجيش السوري وتحريره مساحات هائلة وطرد المجموعات الارهابية منها، دفعت بالسوريين اللاجئين في ألمانيا وغيرها بالعودة إلى بلادهم.
وبحسب صحيفة " راينشه بوست"، فقد انضم لاجئون سوريون لقائمة طالبي اللجوء الذين قرروا العودة طواعية إلى بلادهم بعد التحسن الكبير الذي شهدته سوريا في الآونة الأخيرة من ناحية تقدم الجيش السوري واستعادته مناطق عديدة من الجماعات الإرهابية ، طلبات العودة جرت من خلال برنامج ألماني ينظم ويدعم عودة اللاجئين.
وكتبت الصحيفة التي استندت على بيانات من الهيئة الاتحادية للهجرة واللاجئين، أن عدد من هؤلاء اللاجئين يرغبون في التوجه إلى العراق أولاً، نظراً لعدم وجود إمكانية لدعم العودة مباشرة إلى سوريا، أياً تكن الطريقة فهذا مؤشر إيجابي على اتجاه الأمور نحو الحل وهذا بدوره يعطي إشارة بأن سوريا تتجه أكثر فأكثر نحو الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء مستقبل جديد للبلاد.
ومن خلال مرور سريع على الإحصائيات الأوروبية لعدد طالبي اللجوء لهذا العام ومقارنتها مع العامين السابقين نجد أنها تراجعت بشكل كبير، فعلى سبيل المثال وصل عدد طالبي اللجوء إلى ألمانيا غالبيتهم من سوريا والعراق في هذا العام إلى 140 ألف من طالبي اللجوء، بينما بلغ إجمالي طلبات اللجوء في ألمانيا عام 2016 نحو 280 ألف طلب مقارنة بنحو 890 ألف طلب في عام 2015.
العودة طواعية
اتجه السوريون بغالبيتهم نحو أوروبا لطلب اللجوء أملا بحياة أفضل ليصل عددهم في هذا العام إلى 400 ألف لاجىء موزعين على الدول التالية: ألمانيا، السويد، النروج، النمسا، فرنسا، المملكة المتحدة وهنغاريا، ولكن حملات العودة إلى الوطن بدأت تنتشر فيما بينهم بشكل كبير، وقام اللاجئون بتشكيل مجموعات عدة على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تقدم نصائح ومعلومات حول كيفية العودة من أوروبا إلى اليونان ثم تركيا، مثل مجموعة "كراجات الهجرة العكسية" (وفيها ما يزيد عن 22 ألف عضو)، و"الهجرة العكسية من أوروبا إلى اليونان وتركيا"، وغيرها.
ومن الأمور التي ساهمت بتنامي "الهجرة العكسية" التسهيلات التي بدأت الحكومات الأوروبية بتقديمها لمن يود العودة إلى بلده، وصلت إلى حد دفع مبالغ مالية لمن يرغب بذلك، حيث عرضت ألمانيا مثلاً دفع مبلغ 1200 يورو للراغبين بالرجوع، وبناء على هذا عاد ما يقارب 8468 شخصا خلال الربع الأول من العام الحالي إلى بلادهم.
وفي الوقت الحالي تقدم نحو 2332 عراقياً بطلبات للاستفادة من البرنامج المدعوم من ألمانيا، لتسهيل العودة طواعية إلى وطنهم.
دول أخرى عاد منها اللاجئون
لم يقتصر عودة اللاجئين إلى أوطانهم على ألمانيا بل شملت أيضا دولا أخرى مثل الدنمارك واليونان وفنلندا التي شهدت زيادة كبيرة خلال العامين السابقين في عدد طالبي اللجوء بلغت نحو 10 أمثال، إلا أنه في مقابل ذلك شهدت فنلندا عودة كبيرة للاجئين فيها إلى بلادهم، حيث ألغى آلاف اللاجئين الذي وصلوا إلى فنلندا طلبات اللجوء وقرروا العودة طواعية إلى بلادهم، مشيرين إلى مسائل عائلية وخيبة أملهم بسبب طبيعة الحياة في الدولة الاسكندنافية الباردة.
وفي اليونان قالت الشرطة الاسبوع الماضي أن نحو 14 ألف مهاجر عاد من اليونان إلى وطنه الأصلي مطلع العام الجاري، مشيرة إلى أن معظم العائدين من العراق، وسوريا، وألبانيا، وباكستان، وجورجيا، ودول شمال أفريقيا. وبحسب الشرطة فإن عدد المهاجرين الذين غادروا اليونان في أيلول الماضي بلغ 1598 مهاجراً، مشيرة إلى أن برنامج عودة اللاجئين إلى بلدانهم تدعمه المنظمة الدولية للهجرة.
أما في الدنمارك فقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية، أن العديد من اللاجئين في الدنمارك اتخذوا قرار العودة بشكل طوعي إلى وطنهم، وهذا الاتجاه كان واضحاً وسط القادمين من دول الشرق الأوسط وروسيا وأوكرانيا.
ختاماً، مهما طال الزمن لابد لهؤلاء اللاجئين من العودة إلى وطنهم والمساهمة ببناءه والقيام بدور فعال فيه والاستفادة من التجربة المريرة التي عاشوها لكي لا يضطر أحفادهم يوما ما من ترك أوطانهم والوقوع بنفس الفخ الذي وقع فيه أجدادهم.