الوقت- تستحوذ وسائل التواصل الإجتماعي حالياً على أهمية كبيرة لدى الراغبين في التسويق الفكري أو التجاري، وتشير الدراسات إلى أن هذه الوسائل باتت الأسلوب الأنجع في إيصال المفاهيم المنشودة نظراً لكثرة روّادها ومستخدميها على وجه المعمورة. لكن هذه التقنية الجديدة، كبقيّة الوسائل الأخري هي سلاح ذو حدين، ففي حين يستخدمها البعض للترويج التجاري أو الفكري والإجتماعي، يستخدمها آخرون لنشر أفكارهم الإرهابية وتجنيد العملاء. وباختصار باتت وسائل التواصل الإجتماعي مرتعاً للجماعات المتطرفة آخرها تنظيم داعش الإرهابي.
نجح التنظيم الإرهابي من خلال مهارته في كيفية إنتاج الأفلام الدعائية الخاصة، وقدرته الفائقة على صياغة "رسائل مثيرة" في جلب أنظار العديد من مستخدمي وسائل التواصل، تارة بهدف إثارة الرهبة كما حصل في فيلم إعدام الطيار الأردني الكساسبة وأخرى بغية تعويم قدراته العسكرية ونشر إنجازاته الميدانية في العراق وسوريا، وكذلك العروض العسكرية وصورًا تُظهر شجاعة مقاتلي التنظيم في "ساحات الجهاد". إلا أن أحد أخطر الأساليب المستخدمة من قبل تنظيم داعش الإرهابي هي "سياسة التجنيد" ودعوة المجندين للعيش في "المدينة الإسلامية الفاضلة".
أمريكا التي تدير الشبكة العنكبوتية في العالم، إضافةً لإمتلاكها لأغلب وسائل التواصل الإجتماعي، تؤكد وعلى لسان وزير الدفاع آشتون كارتر "ضرورة تعزيز البلاد لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في محاربة تنظيم داعش". ولكن ما الذي قدمته أمريكا بالفعل في محاربة التمدد الداعشي في وسائل التواصل؟
لم يكن الموقف الأمريكي الحقيقي من تنظيم داعش الإرهابي مشابهاً لنظيره الإعلامي في يوم من الأيام، بل المصالح المشتركة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين. فأمريكا تضرب داعش اذا ما تعدّى الخطوط الحمراء بالنسبة إليها، لكن تساعده اذا ما اقتضت مصلحتها ذلك، وقد حملت الوقائع الميدانية شواهد عديدة في هذا السياق فعلى سبيل المثال لا الحصر، لماذا عاودت أمريكا إلقاء السلاح لداعش مرة ثانية وثالثة بعد أن اعتذرت عن فعلتها الاولى في كوباني؟ ولماذا هاجمت قوات التحالف عناصر الحشد الشعبي التي تواجه التنظيم الإرهابي على الساحة العراقية؟ من هنا ننطلق لطرح السؤال التالي ومن ثم نحاول الإجابة عليه: لماذا لا تحذف أمريكا ما يقارب 90 ألف تغريدة يومياً عن موقع التويتر وغير ذلك من الردود على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي لداعش؟
قد يجيب سائل على ذلك فيقول إن أمريكا أكدت على لسان وزير الدفاع "ضرورة تعزيز البلاد لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في محاربة داعش"، كما أنها ترصد حالياً ملايين الدولارات لمواجهة النشاط الإعلامي للتنظيم الإرهابي. ولكن عند المطالعة الأولية للأبعاد الأمريكية نرى أنها مشابهة لغارات التحالف ضد التنظيم الإرهابي "قصف بلا ضرر"، فهنا أيضاً تكمن العلاقة الثنائية على قاعدة المصالح الأمريكية والخطوط الحمراء.
بيت القصيد في الدعوة الامريكية يتمثل في مواجهة المد الإلكتروني الداعشي على الأراضي الأمريكية فقط، وبالتالي فإن أي حديث عن مواجهة إلكترونية يهدف لمنع تأثر الداخل الأمريكي بترددات داعش الإرهابية كما حصل مؤخراً في أوروبا، لذلك يتضح لنا أن العلاقة القائمة بين الطرفين يحكمها التواطئ تارةً، وغضّ الطرف أخرى.