الوقت- منذ أن تولى الرئيس الأمريكي الخامس والأربعون، دونالد ترامب، سدة الحكم في الولايات المتحدة، أصدرَ اوامرا مثيرة للجدل من اجل إحياء تفوق الديمقراطية الليبرالية بهدف اعادة بناء أمريكا "القوية".
في بداية الأمر تعلقت أوامر ترامب بموضوع الهجرة وتعليق دخول مواطني 7 دول إسلامية لمدة 90 يوما، مما أثار سخطا كبيرا على الصعيدين المحلي والدولي.
وكان ترامب قد وعد بهذه الخطوة خلال السباق الرئاسي، ونفذها بعد استلامه الحكم مباشرة من دون دراسة نتائجها؛ حيث يعتقد ترامب أن هذه الخطوة ضرورية من أجل حماية أمريكا من "التطرف الإسلامي" حسب وصفه، إلا أن أمره لم يشمل مواطني بلدان إسلامية مثل باكستان والسعودية والذين كان لبعض منهم دور في العمليات الإرهابية التي ضربت أمريكا.
وتابع ترامب تصرفاته غير المتوقعة، حيث شنت أمريكا هجوما على مطار "الشعيرات" في محافظة حمص السورية، وقال ترامب حول ذلك: "الليلة أمرت بتنفيذ ضربة عسكرية محدّدة الهدف في سوريا على المطار الذي شن منه الهجوم الكيميائي" في إشارة الى هجوم خان شيخون المزعوم؛ وسرعان ما انطلق حلفاء أمريكا مثل السعودية، بريطانيا، فرنسا والكيان الصهيوني للدفاع عن هذا الهجوم. إلا أن حقيقة الهجوم تكمن في أن الولايات المتحدة كانت قد أصبحت لاعبا ثانويا في المشهد السوري، لذلك حاولت فرض سيطرتها في سوريا ونفذت هذا الهجوم المخالف للأعراف الدولية.
وألغى ترامب سياسات من عهد اوباما بشأن تغيير المناخ وأصدرا قرارا جديدا، حيث ألغى أمر "مشروع الطاقة النظيفة" الذي وقعه أوباما في عام 2015. وأصدر ترامب أمرا بدراسة مشروع جديد ليحل محل المشروع السابق.
واعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ الذي كان نتاجا لسنوات من الجهود المتواصلة والحثيثة من قبل المجتمع الدولي ومحبي البيئة وضغوطهم على الدول الرئيسية المنتجة لثنائي أوكسيد الكاربون.
وكان ترامب قد انتقد اتفاقية باريس خلال السباق الرئاسي، معتبرا موضوع التغير المناخي كذبة يراد منها استهداف الصناعة الأمريكية، وتعليقا على انسحاب ترامب من اتفاقية المناخ، قال مذيع قناة "سي أن أن" الأمريكية، فريد زكريا، ان هذا الانسحاب يعني التنازل عن قيادة "العالم الحر".
وتابع زكريا: إن تصرف ترامب اللامسؤول وانسحابه من هذه الاتفاقية هو تصرف فريد من نوعه، لان اتفاقية باريس للمناخ لا تنتهك السيادة الأمريكية، وتسمح لكل دول العالم بأن تكون لها خططها الخاصة، ولذلك فإن دولا مثل الصين، الهند وروسيا التي تحمي سيادتها بقوة، قد وقعت على هذه الاتفاقية.
ومن اجل القضاء على موروث أوباما، صعد ترامب ضغوط العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وبالتعاون مع الكونغرس دق آخر مسمار في تابوت الاتفاق النووي. ومن جانب آخر وقع ترامب عقود مربحة بقيمة 110 مليار دولار مع السعودية المتهمة بنشر الارهاب، التفرقة، انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب مجازر ضد الأبرياء في اليمن. وألغى ترامب جميع العمليات التي ادت خلال الأشهر الأخيرة من حكم أوباما الى انفتاح على كوبا بعد عقود من العداء، العقوبات وقطع العلاقات.
وأثار أول خطاب لترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة جدلا وانتقادات حادة، حيث هاجم إيران والاتفاق النووي، مشددا على انتقاد الدعم الإيراني لحزب الله، كما وصف ترامب إيران بالدولة الغنية ذات التاريخ العريق، إلا أنها عاجزة اقتصاديا، مضيفا أن إيران تصدر العنف، وحمامات الدماء والفوضى.
ولم ينتهِ خطاب ترامب عند هذه النقطة بل هاجم كوريا الشمالية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متوعدا بيونغ يانغ بالتدمير الكامل في حال عدم تراجعها عن برنامجها النووي. ووصف ترامب الرئيس الكوري كيم جونغ اون بالرجل الصاروخي الذي ينفذ مهمة انتحارية.
وأنهى ترامب خطابه بانتقاد كوبا بالإضافة الى توجيه انتقاد شديد لحكومة فنزويلا، واصفا ما سماه بـ "الديكتاتورية الاشتراكية" في كاراكاس بانها لا تطاق، وقال: أمريكا لا تستطيع الوقوف مكتوفة اليدين. وبذلك تكلم الرئيس الأمريكي باسلوب لم مقبولا في القرن الحادي والعشرين.
وفي قراءة لأول كلمة القاها الرئيس الأمريكي ترامب أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، قال رئيس مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، إيان بريمر: إن كلام ترامب يهدد السياسات المبدئية والعولمة. كلام ترامب يشير الى أن المنظمات العالمية الضعيفة لا تستطيع أن تحل المشاكل بسرعة وكفاءة. إن هذه العقيدة تضعنها أمام رؤية لحروب أكثر من ذي قبل. لذلك يجب أن نقر أن نظرة ترامب أحادية الجانب، خطيرة.
إن كلمة ترامب الحادة، المفعمة بالكراهية وذات اللهجة التصعيدية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدت الى ردود أفعال حادة من قبل المسؤولين الغربيين والدوليين. ولكن رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني رحب بكلمة ترامب معلنا أنه لم يسمع خلال ثلاثين عاما من خبرته في منظمة الأمم المتحدة كلمة شجاعة كهذه.
بصورة عامة يجب الاقرار بأن هذه الممارسات ترسم صورة أمريكا على انها بلد خطير، ناكث للعهود، عدو للسلاح، معادٍ للبيئة وعنصري. إن هذه الممارسات الطفولية وغير المتناغمة مع الأعراف الدبلوماسية تؤدي الى تراجع الديمقراطية الليبرالية الأمريكية والحلم الأمريكي بالإضافة الى عزل واشنطن أكثر من العزلة التي عاشتها في عهد بوش الابن.
في النهاية يجب الالتفات الى أن هناك فجوة واضحة بين أفكار ترامب حول الأحداث الجارية في الداخل الأمريكي وعلى المستوى الدولي وبين حقيقة الأمور. ومن الظواهر التي يجهلها ترامب ظاهرة القطب الواحد، فهو من ناحية يتكلم عن تجديد القوة الأمريكية ومن ناحية أخرى يتصرف كرئيس قوة عظمى على مستوى العالم. وهذا يعكس تناقضا سيؤدي الى زيادة الكلفة السياسية للحكومة الأمريكية على الصعيد العالمي وعزلها.
لم يستوعب الرئيس الأمريكي عبور البشرية واللاعبين الدوليين من عهد القطب الواحد، وما يزال يسعى لإحياء قطبه الواحد في وسط الفوضى العالمية التي أثارها. وبصريح العبارة ترامب يعيش في أوهام جعلته يخطئ في الحسابات المبدئية وفي الممارسات، وهي أمور ستؤدي الى تراجع مكانة امريكا في العالم.