الوقت- رحلة اللاعودة، عبارة تلخص واقع النساء الراغبات بالإنضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وقد أثارت هذه الظاهرة (نساء داعش) الكثير من التساؤلات حول أسباب ودوافع الإلتحاق بصفوف التنظيم الإرهابي. ويأتي إنضمام النساء إلى داعش في سياق أهداف التنظيم الذي نجح في إستقطاب أكثر من 25 ألف مقاتل، أي إرتفاع بنسبة 70% منذ منتصف العام الماضي وفقاً للتقارير الصادرة عن الامم المتحدة.
فمن هي هؤلاء النساء؟ ما هي ظروف إنضمامهن إلى التنظيم الإرهابي؟ وما هي الدوافع والادوار التي يضطلعن بها داخل التنظيم؟
في ظل الحديث عن نساء داعش، لا بد من المرور على تقرير أصدره مؤخراً معهد الحوار الاستراتيجي والمركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كوليد في لندن، الذي يسلط الضوء تحديداً على نساء داعش والبلدان التي يأتين منها. ويعطي التقرير غير المكتمل بحسب المعهد، لمحة عن جنسيات وأعمار بعض النساء والفتيات اللواتي انضممن إلى صفوف التنظيم، وتبرز بريطانيا كأكثر دولة أوروبية انضمت نساء منها إلى داعش، تليها هولندا ثم فرنسا والسويد. أما بالنسبة إلى الأعمار، فتأتي الفتيات في عمر الخامسة عشرة والسادسة عشرة في المركز الأول لجهة السفر والالتحاق بداعش، ثم الشابات بين عمر 20 و25 عاماً، ثم النساء الأكبر اللاتي تصل أعمارهن إلى 45 عاماً.
الظروف
لم تكن ظروف هذه الظاهرة طبيعية أو وليدة الصدفة بل يقف فريق من الخبراء على مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد الفتيات وإقناعهن بالسفر إلى تركيا ومن ثم إلى داعش، حسبما توضح "ام أسماء" مجاهدة النكاح التائبة التي نجحت في الفرار من أيادي التنظيم، والتي تستدرك بالقول: لكن تعتري هذه النساء حالة من خيبة الأمل والشعور بالخداع لدى من وجدوا أنفسهم في قبضة "داعش".
يبدو واضحاً تميّز تنظيم داعش الإرهابي في استخدام تقنيات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لعملياته وأفكاره، ويؤكد المراقبون أن التنظيم يستخدم هذه الوسائل بشكل موسع لتقديم صورة براقة عنه وعن الأراضي التي تقع تحت سيطرته، حيث يؤكد من خلال الرسائل الإعلامية المختلفة أن "الدولة الإسلامية" تنعم الأراضي التي تقع تحت سيطرتها بالأمان والرخاء!
سارا خان، وهي مسلمة بريطانية تعمل في شن حملات ضد المخاطر التي يتعرض لها المجندون الأجانب توضح: "لا أعتقد أن تلك الفتيات يستطعن مناقشة مسألة عودتهن، وهن لا يدركن أن قرارهن بالانضمام إلى داعش لا رجعة فيه ".
وتضيف الناشطة الحقوقية: "لقد شعرت معظم من سافرن إلى سوريا وانضممن إلى داعش بخيبة أمل كبيرة، وعبرت معظمهن عن سوء أحوالهن، وقلن عبر تدوينات ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي: ليست هذه هي الحياة التي وعدنا بها".
الدوافع
يكان يكون جهاد النكاح هو السمة الغالبة في أسباب الإنضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، لكن معهد الحوار الاستراتيجي في لندن اعتبر أن القول بأن النساء تنضم لداعش للزواج من المقاتلين الأجانب، أحادى الجانب لأن أغلبية النساء الغربيات اللواتي سافرن للانضمام للتنظيم المتطرف، لم يصبحن زوجات للجهاديين، بل إن هناك عددًا من العوامل تجذب النساء للانضمام للتنظيم.
ويوضح معهد الحوار الاستراتيجي في لندن، أن هناك ثلاثة أسباب أخرى تدفع هذه الفتيات أو النساء للانضمام إلى مثل هذه التنظيمات، هي: الشعور بالعزلة الاجتماعية أو الثقافية، أو الشعور بأن المجتمع الإسلامي في الدولة التي يعيشون فيها يتعرض للاضطهاد، أو الإحباط والحزن من الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون حول العالم.
ويضيف المعهد عوامل أخرى أيضاً مثل: أن الجهاد واجب ديني، وأن بعض الفتيات يردن الانضمام إلى تجمع نساء ديني (الأخوات)، ورغبة البعض في القيام بمغامرة جهادية.
كذلك، يوضح معهد الحوار الإستراتيجي الأمريكي أن بعض الفتيات ينضممن إلى داعش بسبب ما تعرضن له من تحرش وتمييز في دول أوروبا باعتبارهن مسلمات، حيث تنتشر حالات الهجوم على المسلمين هناك بسبب ما يسمى الحرب على الإرهاب.
من جانبها تؤكد د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن من أسباب انضمام الفتيات والنساء إلى التنظيم هو الدعاية التي تروج للتنظيم باعتباره مصدرا جيدا للأموال، حيث يؤكد العديد من المراقبين أن التنظيم يدفع رواتب عالية لأعضائه من الرجال والنساء.
وأشارت د. خضر - في تصريحات صحفية - إلى أن هناك نساء أوروبيات يعشن في ظروف مالية صعبة، خاصة اللاتي من أصول عربية ومسلمة، حيث يعشن في أحياء فقيرة ومستويات معيشية متدنية، مؤكدة أن ضعف التعليم الديني في أوروبا للمسلمين بالذات يجعل من السهل إقناعهم بأي أفكار مهما كانت متطرفة أو بعيدة عن روح الإسلام.
ويرى بعض المراقبين أن نسبة معتبرة من المنضمات إلى تنظيم داعش من الأوروبيات، ممن اعتنقن فعلا فكرة الخلافة الإسلامية وإمكانية تطبيقها.
الأدوار
يبدو واضحاً من أسباب الإنضمام أنه لا يمكن حصر الادوار "بجهاد النكاح"، بل تتطلع غالبية الملتحقات إلى دور أكبر داخل التنظيم يعزز ثقتهن بأنفسهن ويضعهن في موقع قوة بالنسبة لسائر النساء.
وتلعب نساء تنظيم داعش الإرهابي دورا رئيسا في نشر دعاية التنظيم وتجنيد المزيد من المقاتلين والمقاتلات، وقد ساهمت طموحات "الداعشيات" في تأسيس كتيبة الخنساء مطلع 2014 في مدينة الرقة السورية. وتتكون الكتيبة من شيشانيات وتونسيات، تولت فور تشكيلها مهمة ملاحقة النساء اللواتي يخالفن تعليمات وقوانين داعش في المنطقة. واتسعت مهامها بعد ذلك لتشمل تدريب مجموعات نسائية على حمل السلاح ضمن معسكرات خاصة، إضافة إلى تلقينهن أصول الفكر الدعوي الشرعي والتكفير والعمليات الإنتحارية.
في الخلاصة، هناك حاجة فعلية لمعالجة كافة الأسباب التي تكمن وراء إنضمام "الداعشيات" إلى التنظيم الإرهابي وقد أدركت النساء الأوروبيات حالياً أن الحياة في كنف «داعش» بعيدة عن الصورة التي تراها على الانترنت، ولكن سيبقى الاهم من ذلك أن يتخذ المجتمع الدولي ومجلس الامن قرار المواجهة الجدية مع تنظيم داعش الإرهابي بعيداً عن سياسة المكر الامريكية مع التنظيم "العصا والجزرة" أو "ضربة على الحافر وضربة علي المسمار".
المصادر:
1.حتى تفرق بيننا الشهادة، دراسة صادرة عن معهد الحوار الاستراتيجي والمركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كوليد في لندن،28 مايو/أيار 2015.
2. نساء داعش.. من فخ البروباغندا إلى صناعة الرعب، موقع الحرّة: بتاريخ9 إبريل/نيسان 2015.
3. لماذا تنضم النساء الغربيات لتنظيم "داعش"؟، روسيا اليوم، بتاريخ20 فبراير/شباط 2015.
4.فتيات أوروبا في تنظيم داعش..الدوافع والأسباب، مجلة شؤون خليجية، بتاريخ 14 مارس/آذار 2015.
5.نساء داعش...الجنسيات والأعداد والأعمار، موقع قناة الميادين، بتاريخ30 مايو/أيار 2015.