الوقت - يرى المتابعون للشأن الفلسطيني بأن حركة حماس بدأت بتأسيس مرحلة جديدة قوامها إعادة العلاقات السابقة مع إيران وسوريا (مرحلة ما قبل 2011) إلى مجاريها، وقد تنبأ المراقبون بهذه الإستدارة في العلاقات بعد انتخاب يحيى السنوار القادم من الجناح العسكري للحركة وترؤسه هيئة القيادة لحركة حماس في قطاع غزة منذ شباط/فبراير الماضي، وكما السنوار فإن العديد من أعضاء هيئة القيادة المنتخبين، يحملون فكر حركة حماس المقاوم البعيد عن الإصطفافات السياسية وحساباتها الضيقة.
السنوار وفي تصريح صحفي من مكتبه في قطاع غزة أقرّ باستراتيجية العلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين حركة حماس، ما اعتبره المحللون فتح صفحة بيضاء جديدة في العلاقات بين الطرفين بدأ العمل عليها بحضور وفد قيادي من الحركة في حفل تحليف الرئيس الإيراني المنتخب الشيخ حسن روحاني. واللافت في تصريحات السنوار هو محاولة الحركة الإبقاء على علاقاتها مع جميع الأطراف التي يمكن أن تشكل عاملا مساعدا لاستمرار الدورة الحياتية لسكان القطاع، بالإضافة الى العمل على الحفاظ على القدرة العسكرية وتطويرها.
فقطر وتركيا التي وصف السنوار علاقة الحركة بهما بالممتازة ليستا بوارد الدعم العسكري بطبيعة الحال، والعلاقة مع مصر يراد منها فتح معبر رفح المغلق منذ سنين بالتنسيق مع الكيان المحتل، لتمرير المساعدات والحاجات الضرورية للقطاع من غذاء ودواء ونقل المرضى للمعالجة، وفتحه يقتصر على ما ذكرنا حيث تتشدد السلطات المصرية في مراقبة المعبر، خوفا من توريطها واتهامها بدعم الحركة، وانتقال مجموعات متشددة موجودة بطبيعة الحال في قطاع غزة إلى الأراضي المصرية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجيش المصري.
إذن وكما أصبح واضحا فإن الدعم العسكري لحركة حماس يمرّ عبر إيران وسوريا، إلی جانب الدعم في المجالات الأخرى وهذا ما لا يخفيه الطرفان الإيراني والفلسطيني على حد سواء. وليس من قبيل الصدفة تقاطع حديث السنوار عن العلاقة الاستراتيجية مع طهران، مع الحديث عن تعزيز القوة الصاروخية والبشرية في كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري للحركة. و"تعزيز قدرة المقاومة الفلسطينية بحاجة لإيران وسوريا"، مقولة يتفق عليها جميع القادة العسكريين في كتائب القسام من الجيل الأول والثاني ممن عاشوا تجربة الصراع مع الإحتلال، وعايشوا مراحلها في الحرب والسلم وكيف كانت تصل المساعدات العسكرية واللوجستية ونقل التجارب والخبرات.
وبالعودة للحديث عن التقارب الجديد بين حماس وطهران، لا ضير في الإشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية لم تقطع من جانبها العلاقة مع أي فصيل فلسطيني مقاوم، بل أبقت الباب مفتوحا أمامها وبالأخص حركة حماس التي قطعت علاقتها مع دمشق إبان الأحداث السورية عام 2011 ونقلت مكاتبها إلى العاصمة القطرية، وأعلنت معارضتها للسياسة الإيرانية فيما يخص سوريا على لسان مسؤوليها مقابل تأكيد من الجانب الإيراني على استمرار العلاقات وعدم الردّ على التصريحات الفلسطينية. وبالفعل بعد ما يقارب 6 سنوات من الجفاء، اقتنعت حماس بأن فك ارتباطها بطهران ليس من مصلحتها، فما وجدته في طهران من دعم لم تجده في الدول الأخرى رغم مئات المحاولات والوعود المشروطة.
أما عن سبب عودة الحرارة في العلاقة مع طهران فيمكن العودة إلى المحور المقابل الذي حاولت حماس اللجوء إليه بعد تخليها عن علاقتها مع "محور الممانعة". فقطر اليوم محاصرة وتتعرض لضغوط كبيرة من قبل السعودية التي تصنف حماس منظمة إرهابية، ومصير الحصار القطري ليس واضحا بالنسبة لكثير من المتابعين ومنهم حركة حماس.
ومصر ليست متحمسة كما يبدو لإعادة العلاقات مع حركة حماس إلا عبر القيادي المقال من حركة فتح محمد دحلان، أما أنقرة فلديها حسابات دولية بين علاقاتها الإستراتيجية مع الكيان الإسرائيلي وعضويتها في حلف الناتو، لذا فهي غير مستعدة لعرقلة تقدمها في هذين الملفين على حساب دعم الحركة، أو فتح الأبواب التركية أمامها بشكل كبير.
أما السبب الأخير فيعود كما ذكرنا بداية الحديث، إلى الخلفية العسكرية لأعضاء القيادة الجدد وعلى رأسهم يحيى السنوار، وهم يدركون جيدا أن قوة حماس بقوتها العسكرية لردع أي تفكير بضرب قطاع غزة، لا بالمفاوضات التي أثبتت فشلها عبر السنين والتي لم يجن منها الشعب الفلسطيني سوى الخيبة. وبعد أن أثبتت الجمهورية الإسلامية أنها الداعمة الأولى لحركات المقاومة دون شروط مسبقة، أصبح من العقلانية والمنطق أن تطرق حركة حماس الباب الإيراني من جديد لتجده مفتوحا أمامها كما كان منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران.