الوقت- تُرخي الانتصارات العسكرية للجيش السوري وحلفائه بظلالها على مراكز صنع القرار في تل أبيب. الانتصارات العسكرية التي تُرجمت سياسياً بمفاعيل عدّة دفعت بالكيان الإسرائيلي للتوجّه شرقاً وغرباً بغية تلافي أي نتائج "كارثية".
نشاط دبلوماسي غير مسبوق شهدته الساحة الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية نتج عنها "ضربات على الرأس"، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى للجانب الإسرائيلي، ففي حي نقلت صحيفة"معاريف" عن مصدر إسرائيلي مطلّع أن لقاء الوفد الأمني الذي زار واشنطن مؤخراً كان أشبه بمراسم دفن السياسة الأميركية في سوريا، عاد نتنياهو من روسيا بخفّي حنين بعد سماعه عبارة واضحة الشكل والمضمون "إيران حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط".
مفاجئة بوتين لنتنياهو
"نتنياهو كان في حالة مزرية خلال لقائه بوتين بسبب ايران وحزب الله". بهذه العبارة صوّرت صحيفة "برافدا" الروسية واقع الزيارة الإسرائيلية حيث تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي والوفد المرافق في مدينة سوتشي الروسية ضربة قوية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكّد لضيفه "الثقيل"، وفق وسائل إعلام روسيّة " أن إيران حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط.
بوتين لم يعر كلام نتنياهو حول أنّ "إسرائيل" لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تخطت إيران الخطوط "الإسرائيلية"، أيّ اهتمام، ففي حين ظهرت على الانفعال على نتنياهو، بدت علامات الارتياح والهدوء واضحة على الرئيس الروسي الذي اكتفى بالاستماع والتحديق في ملامح نتنياهو المتعبة.
لكن انفعال نتنياهو أثار حفيظة المحللين السياسيين الروسي الذين علّق أحدهم،، إيدين مهدييف، على زيارة نتنياهو إلى سوتشي، بأن الكرملين ليس بحاجة إلى تل أبيب لكي تعلمه كيفية ترتيب أولوياته في الشرق الاوسط.
زيارة كوهين أشبه بالجنازة
رغم أن نتائج زيارة نتنياهو إلى روسيا كانت متوقّعة بعض الشيئ، إلا أن ما هو غير متوقّع أبداً للجانب الإسرائيلي ما حصل مع الوفد الأمني الذي زار واشنطن مؤخراً بقيادة رئيس الموساد، "يوسي كوهين" الذي خرج خالي الوفاض بعد استشعاره بتسليم أمريكي شبه واضح.
البعض حاول تقزيم النتائج الكارثية، وفق الرؤية الإسرائيلية، مستخدماً عبارات أكثر لطافةً من قبيل الأجواء السلبية التي رافقت زيارة الوفد الأمني الإسرائيلي، إلأ أن محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوسي ميلمان نقل عن مصدر إسرائيلي مطلع أن اللقاء مع المسؤولين في مجلس الأمن القومي والبنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأميركية كان مثل المشاركة في جنازة أو تقديم تعازي، لكن بأدوار معاكسة بحيث أن المعزّين هم الأميركيون، والثكلى هم الإسرائيليون، فيما الجنازة كانت مراسم دفن السياسة الأميركية في سوريا.
رسائل ودلالات
يبدو أن الكيان الإسرائيلي الذي ظهرت عليه علامات الارتياح منذ بدء الأزمة السورية، بدأ يدخل في نفق مظلم مع تعافي سوريا من أزمتها، ومن هنا يمكن تلخيص رسائل واشنطن وموسكو لنتنياهو بجملة من النقاط:
أولاً: إن إجابة بوتين لنتنياهو تؤكد على عمق واستراتيجية العلاقة الروسيّة الإيرانيّة، خاصّة أن الأخيرة كانت سبباً رئيسياً في إعطاء الجانب الروسي هذا الدور في سوريا بعد زيارة لقائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني التي نتج عنها التدخّل الروسي العسكري في سوريا. في الحقيقة، إن الموقف الوسي ليس بالأمر الجديد تجاه ايران فقد حاول رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إحباط بيع المنظومة الجوية المضادة للصواريخ S-300 المتطورة لإيران، إلاّ أنّه فشل في إقناع الجانب الروسي بذلك. روسيا وجدت من خلال وقوفها إلى جانب إيران عودةً إلى بريقها السوفياتي السابق، وبالتالي من المستبعد أن تستغني عنه لصالح الهواجس الإسرائيلية.
ثانياً: هناك قناعة دولية باتت شبه راسخة بضرورة الرضوخ لانتصارات الجيش السوري وحلفائه في سوريا، فقد اعتبر صحيفة نيوزويك الأمريكية أن بقاء (الرئيس) الأسد فشل ذريع للسياسة الخارجيّة الامريكية. لا بدّ لنتنياهو الذي لم يعد من موسكو بأي جديد يبشر بالتغير أو الخير في ظل التطورات الحاصلة الآن على الساحة السورية خاصة على الحدود السورية مع إسرائيل أن يتأقلم مع الوضع القائم. وبالتالي سيلجأ الجانب الإسرائيلي اليوم إلى التصعيد الإعلامي، فقد تلا زيارة نتنياهو تهديد صدر عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أكد فيه أن جميع الخيارات قائمة أمام هذه المحاولات الإيرانية، وأن "إسرائيل لا تنوي متابعة ما يجري (في سورية) عن بعد مكتوفة الأيدي"، علّها تنجح في جرّ الأطراف الدولية إلى خيارات أخرى.
ثالثاً: الخيارات العسكرية الإسرائيلية باتت صعبة، خاصّة بعد تأكيد وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء أن منظومة الدفاع الجوي "بانتسير" موجودة بالفعل في سورية، وذلك بعد نشر منتدى "آرميا 2017" الدولي إحصائيات لطائرات دمرتها وسائط الدفاع الجوي الروسي في السماء السورية من آذار حتى تموز عام 2017. وتؤكد الإحصائيات أن القوات الجوية الروسية استهدفت 3 طائرات من دون طيار إسرائيلية ضخمة، من طراز "هيرون"، إضافةً إلى ما كشفه نائب قائد القوات الجوية الفضائية الروسية سيرغي يشيرياكوف، عن تأسيس نظام دفاع جوي موحد ومتكامل على الأراضي السورية، لتصبح الأجواء السورية بعهدة كل من دمشق وموسكو