الوقت- بعد أشهر من حصار القوات السعودية لحي المسورة في العوّامية تمكنت في نهاية الأمر من دخول الحي التراثي على جثث عشرات الشهداء من أبناء المنطقة الذين حولتهم الآلة الإعلامية السعودية لإرهابيين فقط بسبب ممانعتهم تدمير تراثهم وبيوتهم التي تبلغ من العمر مئات السنوات.
كان المبرر السعودي بداية الأمر (حسب قولهم) تنفيذ مشروع تطوير وتأهيل حي المسورة التاريخي، ليتحول لاحقا وبعد بدأ الحصار إلى ملاحقة والقضاء على إرهابيين يتخذون من المنطقة حصنا لهم. وقد يكون تغيير الذريعة السعودية بسبب حجم القصف والدمار الذي أوقعته القوات الأمنية في المنطقة وأطرافها.
ذريعة هي أوهى من أن يصدقها أي عقل، فالحي الذي يحتوي على ما لا يزيد عن 180 بيتا طينيا متلاصقا كان يمكن إخلاؤه واقتحام بيوته رويدا من قبل القوات الأمنية وبطريقة هادئة للقبض على من اعتبروهم إرهابيين، ولكن رواية آل سعود تختلف عن الواقع، فمنذ بداية الأحداث الأمنية كان الهدف السعودي تدمير حي المسورة وإخضاع العوامية والقطيف بشكل عام لسلطة الإرهاب الوهابي ولذلك أسباب وخلفيات سنحاول بيانها.
بداية إن ذريعة الإرهاب التي تحدث عنها آل سعود مردودة جملة وتفصيلا وهي تهدف لإظهار السعودية أمام الرأي العام العالمي في موقف المدافع الذي يعاني من هذه الآفة. الواقع الحاضر والتاريخي يؤكد أن العوامية والقطيف بشكل عام لم تكن يوما حاضنة لأي إرهابي، بل على العكس وبسبب الطابع السكاني الشيعي الغالب تعاني تلك المنطقة تاريخيا من مضايقات السلطات الوهابية التي تغذي الفكر الإرهابي العالمي وتكفر كافة الطوائف الإسلامية التي لا تقبل عقائدها.
إذا ما لاحظنا المعاناة التاريخية لمنطقة القطيف من مضايقات الجهات الوهابية يمكن أن نستخلص أمرا مهما من استهداف العوامية في هذا الوقت، فهذا الاستهداف يرضي الجهات الوهابية المتطرفة ويشفي غليلها وحقدها، هذا الأمر يساعد ولي العهد "محمد بن سلمان" على استرضاء هذه الجهات الدينية المتطرفة مرحليا، فهو (بن سلمان) يتحدث عن خطوات انفتاحية وإصلاحية داخل البلاد وهذا الأمر يقابله رفض من قبل المؤسسة الدينية ومتفرعاتها. استهداف الشيعة قد يُسكت هذه المؤسسة ويخمد لهيب رفضها في وجه بن سلمان مرحليا.
الأمر الآخر المهم والذي يمكن أن يكون ضمن حسابات محمد بن سلمان في هذا التوقيت بالذات هي الحسابات الخارجية، وبالتحديد على خط التصعيد مع طهران والعدوان على اليمن. حيث اعتبر بعض المحللين أن ما يجري في العوامية يهدف من خلاله بن سلمان لخلق ساحة ضغط تكون ورقة تفاوضية بيده فيما يتعلق بالعدوان على اليمن والعلاقة مع طهران الشيعية.
تعقيبا على ما ورد حول الحسابات الخارجية لبن سلمان، من الجيد الإشارة إلى أن الإعلام السعودي المأجور يحاول تصوير أهالي العوامية والقطيف على أنهم أعداء مرتبطون بمشاريع خارجية، هذه الصورة تساعد بن سلمان على كسب التأييد الداخلي من قبل الشرائح الشعبية الأخرى (من خلال التجييش الطائفي) وتؤكد أن عمليته الأمنية في المنطقة الشرقية لها أبعادها الخارجية الأكيدة.
مقابل هذه الصورة الإعلامية المشوهة التي يقدمها إعلام آل سعود، هناك تعتيم إعلامي غير مسبوق على المنطقة، ومحاولات لمنع نقل الصورة الحقيقية للواقع. حيث يستخدم الإعلام السعودي الأسلوب العاطفي لتبرير العملية العسكرية الأمنية التدميرية. فيدعي أن الهدف السامي السعودي هو تطوير وتحقيق التنمية المستدامة للمنطقة، ولكن السكان يقومون بمهاجمة عناصر الأمن لمنع تطوير المنطقة.
هذا الكلام يؤكد عدم صحته حجم التدمير الذي بثت صوره بعض الأقمار الصناعية، حيث تُظهر الصور حجم الدمار الهائل والغير متصور، فالمنطقة سوّيت في الأرض وتم هدم أبنية تبلغ من العمر ما يزيد عن ثلاثة قرون.
اليوم وبعد استكمال تدمير حي المسورة وتهجير أكثر من 20 ألف من أهاليه لم تنتهي الحملة الأمنية السعودية، وهذا الأمر يؤكد أن القضية ليست مجرد مشاريع تنموية تخص حي المسورة، بل هو مخطط تدميري يستهدف المنطقة الشرقية بشكل عام. مخطط انتقامي بدأ بالمسورة وسيستمر إلى الأحياء الأخرى. وهذه المرة العنوان حي الشويكة البعيد نسبيا عن حي المسورة. حيث طلب من أهالي الحي إخلاء بيوتهم وأملاكهم خلال ثلاثة اشهر فما القصة؟
لماذا حي الشويكة؟ سؤال تجيب عليه مظاهرات أهالي القطيف. فالحي قد خرجت منه مظاهرات سلمية واسعة في وقت سابق ضد سياسة آل سعود، مظاهرات راح ضحيتها شهداء من أهالي الحي. هذه المظاهرات كانت الأكبر بعد مظاهرات العوامية، ولذلك هو الخطوة التالية ضمن مسيرة الانتقام والتدمير الممنهج من قبل آل سعود.
طبعا الذريعة موجودة غب الطلب، مخططات تنموية للمنطقة، ذريعة من المتوقع أن يتم تعزيزها في القريب العاجل بذريعة أخرى وهي وجود عناصر إرهابية داخل الحي لتبدأ العملية الأمنية التدميرية وسط صمت العالم.