الوقت- شهدت منطقة القديح في القطيف شرق السعودية مسيرة حاشدة احتجاجاً على التفجير الارهابي الذي إستهدف المصلين في مسجد الإمام علي "عليه السلام" وأدى لاستشهاد 21 شخصا واصابة العشرات. الإحتجاجات الشعبية لم تخل من دعوات لتشكيل لجان شعبية لتوفير الامن بسبب الإستهتار المفتعل من قبل السلطات والمعنيين، دعوة سبقها تسليم المواطنين في القطيف والعوامية السلطات المحلية أشخاصاً مشتبه بهم حاولوا الدخول إلى مساجد المدينة عقب التفجير.
لطالما حاربت السعودية أي بوادر لما يسمى بـ"الربيع العربي" في منطقة الخليج الفارسي، وبالطبع لن تسمح السلطات السعودية التي أعلنت أن "الانتحاري الذي قتل 21 من المصلين داخل مسجد في القطيف، هو صالح بن عبد الرحمن صالح القشعمي سعودي الجنسية وهو من المطلوبين للجهات الأمنية لانتمائه لخلية إرهابية تتلقى توجيهاتها من تنظيم داعش الإرهابي في الخارج"، لن تسمح بتشكيل هكذا لجان لأنها تعتبرها مقدمة لخطوات تصعيدية أخرى. فماذا يعني تشكيل لجان شعبية لتوفير الأمن في المنطقة الشرقية؟
تعتبر المنطقة الشرقية التي تضم أقدم المناطق المأهولة في منطقة الخليج الفارسي من أغنى مناطق النفط في العالم، ويقطن أغلب شيعة السعودية الذي يتجاوز عددهم الـ3 ملايين نسمة هذه المنطقة. يعاني سكان هذه المنطقة(القطيف والأحساء) من التقصير في الخدمات التي تقدمها حكومة الرياض لمختلف المحافظات الأخرى فضلاً عن الهجمات الإعلامية التي تشن عليهم من الأبواق الإعلامية المدعومة من السلطات السعودية.
ولم تمنع كافة دعوات التخوين والتشهير السابقة من قبل بعض المأجورين في السعودية، سكان محافظتي القطيف والأحساء من التعاطي بحكمة والمحافظة على الروح الوطنية رغم أن سلطات السعودية لم تكتف بزج المرتزقة بل بادرت إلى اعتقال آية الله الشيخ نمر النمر والعديد من سكان هذه المناطق. كذلك أظهر سكان هذه المنطقة حكمتهم الوطنية بعد الهجوم المسلح في قرية الدالوة بالأحساء والذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) عام ۲۰۱۴ وادى الى استشهاد ثمانية اشخاص، لكن منعطف التحول لدى سكان هذه المناطق ظهر بعد التفجير الإرهابي في مسجد الإمام علي(ع).
أمام هذا الواقع لاسيما مع غياب الرادع الحقيقي من السعودية ضد المتشددين في هذا البلد الذين يسعون لخلق فتنة طائفية، حيث تزامن الإستهداف الاول بالاحساء مع مراسم عاشوراء والإستهداف الثاني مع ولادة الإمام الحسين(ع)، وجد سكان هذه المناطق أنفسهم مضطرين لتوفير الحماية الذاتية في ظل تقاعس الحكومة عن تأدية واجبها في هذا الصدد.
لا توحي الدعوات الشعبية القائمة حالياً في المنطقة الشرقية بالتقسيم الذي تدعمه سلطات الرياض في بلدان مجاورة مثل سوريا والعراق، رغم أن هذه المنطقة تتعدى مساحتها، كسكانها العديد من الدول المجاورة في الخليج الفارسي، كما أنها تملك مقومات نفطية ضخمة تعتبر الأهم في السعوية، لكن جُل ما يطلبه أبناء هذه المنطقة تأمين الأمن والإستقرار في مناطقهم والتعامل معهم كبقية السعوديين في أرجاء السعودية، فلماذا لا تتعامل السعودية معهم على هذا الأساس؟ ألا تدرك سلطات الرياض أن أي فتنة طائفية لن تكون في صالح العائلة الحاكمة ليس فقط في المنطقة الشرقية، بل في كافة أرجاء السعودية؟
التقصير المفتعل من قبل السلطات السعودية يعتبر سبباً رئيساً في تفجير أول أمس، إلا أن هذا التفجير يحمل أيضاً في طياته أسباباً أخرى تبدأ بالدعم السعودي للجماعات الإرهابية وتغذيتها للفكر الوهابي الذي لا يسبح في فلكها دائماً، ولا تنتهي بانشغال السلطات الامنية والعسكرية في العدوان القائم على الشعب اليمني.
يتوجب حالياً على النظام السعودي البحث بجدية عن الأسباب التي آلت إلى الهجمات الإرهابية على سكان المنطقة الشرقية لمعالجتها، لأن تكرارها قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من وجهة نظر سلطات الرياض. اليوم بدأت المطالبات بتشكيل لجان شعبية لتوفير الامن ولكن ربما تتطور غداً اذا ما أصرت السعودية على الإستهتار والمضي قدماً بالنفخ في الطائفية التي لن يسلم منها أحد.
تشير التحركات التي ظهرت على مدى اليومين الماضيين في المنطقة الشرقية إلى إصرار أبناء هذه المناطق على حماية انفسهم بشتى الوسائل الممكنة في وجه الهجمات الإرهابية، وقد عبروا بالفعل عن إمتعاضهم من سياسات الرياض بالدعوة لتوفير الامن الذاتي.. كبيان رقم واحد!