الوقت- من خلال نظرة سريعة للخريطة المفترضة لإقليم كردستان العراق في حال انفصاله عن هذا البلد، يمكن إدراك مدى الصعوبات والتحديات التي سيواجهها هذا الإقليم والتي قد تؤدي به إلى الانهيار على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
التحديات الجغرافية والجيوسياسية
من المعلوم أن إقليم كردستان يقع من الناحية الجغرافية بين أربع دول كبيرة ومهمة في المنطقة هي إيران وتركيا وسوريا والعراق. وهذا يعني أن انفصال الإقليم في حال تحققه سيخلق مشاكل عديدة من الناحيتين الجغرافية والسياسية مع هذه الدول التي ترفض جميعها استقلال الإقليم لاعتبارات تتعلق بأمنها واستقرارها من جهة، ولإمكانية خلق توترات عرقية بين مكوناتها الاجتماعية والقومية والطائفية من جهة أخرى.
التحديات الاقتصادية
يعتمد إقليم كردستان العراق في تأمين الكثير من احتياجاته على الخارج خصوصاً دول الجوار لاسيّما تركيا، وفي حال انفصاله سيشكل هذا الاحتياج نقطة ضعف كبيرة قد تستغلها أنقرة للضغط على الإقليم وهذا من شأنه أن يضع مستقبل الإقليم في مهب الريح باعتبار أن الاقتصاد يشكل عصب الحياة لدى أي دولة تريد الحفاظ على تماسكها في مختلف المجالات.
المؤيدون لاستقلال إقليم كردستان
يبدو أن أمريكا والكيان الإسرائيلي وبعض حلفائهما الغربيين سيكونون من المؤيدين لاستقلال إقليم كردستان العراق شريطة أن يكون الإقليم في خدمة مصالح هذه الأطراف في شتى الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية. وهذا السيناريو يواجه تحديات كبيرة أيضاً باعتبار أن الإقليم وكما ذكرنا آنفاً يقع بين أربع دول (إيران وتركيا وسوريا والعراق) وهي لن تسمح بكل تأكيد بتخطي حدودها وأجوائها لخدمة مصالح أمريكا وحلفائها لأنها ترفض أساساً استقلال الإقليم والاعتراف به رسمياً.
وما يعزز هذا الاعتقاد أيضاً هو احتمال رفض العديد من دول حلف شمال الأطلسي لاستقلال إقليم كردستان لأنها لا تريد أن تفرط بمصالحها مع تركيا العضو في "الناتو" والرافضة لاستقلال الإقليم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا تخشى أيضاً من مطالبة أكرادها بالانفصال في حال تحقق استقلال كردستان العراق، رغم الخلافات السياسية والأيديولوجية الموجودة في هذا المجال بين قيادة الإقليم وحزب العمال الكردستاني "ب.ك.ك" المعارض والمحظور من قبل أنقرة.
الجمهورية الإسلامية في إيران
ترفض طهران انفصال إقليم كردستان عن العراق لاعتقادها بأن ذلك سيسمح لأمريكا والكيان الإسرائيلي بتهديد أمنها واستقرارها. كما تعتقد الجمهورية الإسلامية في إيران بضرورة حفظ وحدة الأراضي العراقية للحيلولة دون تحقق المشروع الصهيوأمريكي المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الرامي إلى تمزيق المنطقة والتحكم بمصيرها والعبث بمقدراتها.
الخلافات بين أربيل والحكومة المركزية في العراق
يواجه إقليم كردستان تحدياً أساسياً يتمثل برفض الحكومة العراقية المركزية في بغداد لفكرة انفصال الإقليم باعتباره سيشكل ضربة قاصمة لوحدة واستقرار العراق ويضعف من إمكاناته الاقتصادية باعتبار أن الإقليم يضم أراضي ومناطق غنيّة بالنفط ويعتبر منطقة عبور مهمة لتبادل البضائع "الترانزيت" مع تركيا والكثير من الدول الأوروبية.
علاوة على ذلك لاتوجد أي فقرة قانونية في دستور العراق الذي أُقر من قبل البرلمان في عام 2005 تتيح لإقليم كردستان الانفصال عن البلد، وهذا يشكل مانعاً سياسياً وقانونياً مهما أمام استقلال الإقليم لأنه سيخلق مشاكل كثيرة بين العراق والدول التي ستعترف بهذا الاستقلال في حال تحققه. إلى جانب ذلك من المحتمل جداً أن يطالب العرب السنّة في العراق بإقليم مماثل في حال انفصال إقليم كردستان، وهذا الأمر من شأنه أيضاً أن يهدد هوية ووحدة واستقرار البلد، وهو ما ترفضه الحكومة المركزية وعموم الشعب العراقي لاسيّما الشيعة في وسط وجنوب البلاد.
وهنا لابد من الإشارة كذلك إلى أن روسيا وهي دولة مهمة في رسم المعادلات الدولية ترفض أيضاً انفصال إقليم كردستان عن العراق لأنها تعتقد بأن ذلك سيجعلها في موقع الخاسر من الناحية الجيوسياسية، لأن كردستان ستدور في فلك واشنطن، وسوف تستغل الأخيرة أراضي كردستان لنشر قواعدها العسكرية والتجسسية. وعلاوة على ذلك، سوف تعزز أمريكا تأثيرها الأمني السلبي في عموم منطقة آسيا الوسطى وما وراء القوقاز.
هذه الأسباب وغيرها تجعل المراقب يجزم بأن استقلال إقليم كردستان عن العراق لن يكتب له النجاح، ومن الأفضل لقيادة الإقليم أن تعيد النظر في حساباتها قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة التي تهدد كيان الإقليم برمته وتضعه أمام مستقبل مجهول في كافة النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، خصوصاً وأن الأوضاع التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط لا تسمح أبداً بمثل هذا التغيير لأنه سيعرض أمنها واستقرارها لمزيد من المخاطر التي نجمت أساساً عن انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف في عموم المنطقة إلى جانب تدخل القوى الخارجية لاسيّما أمريكا في شؤونها.