الوقت- في خضم الصراعات المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في اليمن والصومال، برزت مؤخرًا تحولات بارزة في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى إلى إعادة ترتيب تحالفاتها والتعامل مع الجماعات المرتبطة بالإمارات العربية المتحدة، بعد أن فشلت بشكل واضح في السيطرة على حركة أنصار الله أو الحد من نفوذها المتزايد، تأتي هذه التحولات في وقت تتعاظم فيه قوة محور المقاومة الذي يتصدره أنصار الله في اليمن، مع دعم شعبي وإقليمي متزايد لقضيتهم، وخاصة في ظل التطورات الأخيرة في قطاع غزة، والتي تخلق تحالفًا متينًا ضد التدخلات الغربية والخليجية.
تفكيك الاستراتيجية الأمريكية الإماراتية بعد الإخفاقات في اليمن والصومال
كانت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية الأزمة اليمنية، شريكًا رئيسيًا في تحالف دولي بقيادة السعودية والإمارات، هدفه الأساسي إعادة الحكومة السابقة إلى سدة الحكم واحتواء تمدد أنصار الله، ومن أبرز محاور هذه السياسة دعم جماعات مسلحة مختلفة في الجنوب اليمني والصومال، تابعة أو مرتبطة بالإمارات، سعياً لخلق توازن عسكري ضد انصارالله.
لكن الواقع الميداني أثبت أن هذه الجماعات لم تكن على قدر التحدي، إذ عجزت عن تحقيق انتصارات مؤثرة، بل تكبدت خسائر كبيرة أدت إلى تراجع نفوذها، وحسب تقارير من قناة المسيرة (2025)، فإن هناك تقارير متعددة أشارت إلى انسحاب بعض هذه الجماعات من معارك رئيسية، وتراجع معنويات مقاتليها، ما فاقم من مشكلات التحالف الإماراتي الأمريكي في المنطقة.
في اليمن، تمكن أنصار الله من توسيع رقعة سيطرتهم، وفرض واقع جديد على الأرض، ولاسيما في العاصمة صنعاء ومناطق استراتيجية أخرى، رغم الحصار الجوي والبحري المستمر، أما في الصومال، فقد أظهرت الجماعات المسلحة المدعومة من الإمارات ضعفًا في مواجهة الجماعات المحلية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها.
محاولات أمريكية لإعادة البناء وخلق تحالفات جديدة
بعد هذه الإخفاقات، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إعادة صياغة نهجها، من خلال بناء تحالفات جديدة مع مجموعات أخرى مرتبطة بالإمارات، لكنها تحاول تقليل اعتمادها على تلك التي أثبتت ضعفها، هذه الخطوة تعكس رغبة واشنطن في إيجاد أدوات بديلة لمواجهة النفوذ المتزايد لأنصار الله، الذين باتوا يشكلون قوة إقليمية ذات تأثير.
كما أن الولايات المتحدة تسعى في الوقت ذاته إلى تعزيز وجودها في المناطق الحيوية جنوب اليمن والصومال، عبر تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي، مع محاولة السيطرة على الموانئ والمناطق الساحلية، الأمر الذي يعزز من قدرتها على مراقبة تحركات المقاومة والتأثير على ديناميكيات الصراع.
الجانب اليمني: صمود أنصار الله وتعزيز محور المقاومة
في المقابل، يمثل أنصار الله اليوم مثالاً واضحاً على الصمود والمقاومة ضد محاولات الهيمنة الأجنبية، مستفيدين من الدعم الشعبي المتزايد والاحتضان الإقليمي، وخصوصاً مع تعاطف واسع مع قضيتهم في ضوء العدوان المستمر على اليمن وقطاع غزة.
يدافع أنصار الله عن موقفهم من خلال التأكيد على أن الحرب المفروضة على اليمن هي جزء من مخطط أوسع لتقسيم المنطقة وإضعاف قدراتها، وأنهم في صلب محور المقاومة الذي يدعم القضية الفلسطينية، ويقف في وجه السياسات الغربية والخليجية التي تحاول فرض السيطرة.
كما أن مواقفهم المتكررة الداعمة لغزة تعكس وحدة الأهداف بين اليمن وفلسطين، وترسخ الرأي العام في المنطقة حول ضرورة مواجهة الاحتلال والعدوان.
مشهد معقد ومستقبل غامض
إن استمرار الولايات المتحدة في دعم الجماعات المرتبطة بالإمارات في اليمن والصومال قد يؤدي إلى تعميق حالة عدم الاستقرار، إذ إن هذه الجماعات لا تمتلك القدرة على فرض سيطرة فعالة أو شاملة، ما قد يعيد المشهد إلى دوامة الصراع المستمر بلا حلول جذرية.
وفي الوقت ذاته، فإن فشل هذه السياسات يعزز من قوة أنصار الله على الأرض، ويمكّنهم من تثبيت مكتسباتهم، مع زيادة الدعم الشعبي والإقليمي لهم، ولا سيما مع تصاعد التضامن مع القضية الفلسطينية، التي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل التحالفات الإقليمية.
كما أن التوترات المتصاعدة بين القوى الإقليمية والدولية، إلى جانب الانقسامات داخل التحالفات المدعومة أمريكيًا، قد تفتح الباب أمام فرص جديدة للحوار السياسي، لكن تحقيق السلام الشامل في اليمن يبدو بعيد المنال في المدى القريب.
في ضوء المعطيات الراهنة، يظهر جلياً أن الولايات المتحدة تواجه تحديًا حقيقيًا في محاولتها السيطرة على المشهد اليمني والصومالي من خلال دعمها لجماعات مرتبطة بالإمارات، وخاصة في ظل الصمود المتواصل لأنصار الله وتنامي قوة محور المقاومة، وإن محاولات واشنطن تبدو مؤقتة ومحدودة الفاعلية، وقد تسهم أكثر في تعقيد الصراعات بدلاً من حلها.
وبالتالي، يبقى اليمن بقيادة أنصار الله نموذجًا للمقاومة التي تواجه التدخلات الخارجية، مع تعزيز متزايد للتضامن مع فلسطين وقطاع غزة، ما يؤكد وحدة محور المقاومة في مواجهة السياسات الغربية والخليجية التي تسعى إلى فرض الوصاية وتقسيم المنطقة.
هذا المشهد يعكس تحوّلات استراتيجية كبيرة، تنذر بأن الصراع في المنطقة لن ينتهي إلا بتحولات سياسية عميقة، تستجيب لطموحات الشعوب في الحرية والكرامة، بعيداً عن تدخلات القوى الخارجية.