الوقت- شكلت حادثة السفارة الإسرائيلية، مادة إعلامية لما أنتجته من سخطٍ شعبي أردني حول التعاطي الرسمي مع مقتل أردنيين على يد حارس أمن سفارة الكيان الإسرائيلي. وهو ما لحقه العديد من نتاج، وصولاً الى المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة. وهنا فإن توقيت الحدث وكونه يتزامن مع حادثة المسجد الأقصى، أدت الحادثة الى توتر شعبي داخلي بين السلطة والشارع الأردني، والذي عبَّر عن رفضه سياسات الأردن الرسمية، في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ونسج التحالفات على حساب الحقوق السيادية. فماذا في قصة السفارة الإسرائيلية؟ وكيف تدخل الكيان الإسرائليي لسحب الحارس؟ وما كانت ردة الفعل الأردنية الشعبية؟ وما هي دلالات ذلك؟
القصة كما بدأت
منذ وقوع حادثة السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمان، والتي أدت إلى مقتل أردنيين وإصابة إسرائيلي، بادرت تل أبيب بممارسة جميع الضغوط على الأردن، لمنع محاكمة حارس أمن السفارة الإسرائيلية المتورط في إطلاق النار على الأردنيين. خصوصاً بعد أن وردت أنباء ذكرها الإعلام حول وجود رغبة أردنية باستجواب مطلق النار.
الكيان الإسرائيلي تدخَّل!
أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن حارس أمن إسرائيلي في سفارة الكيان بالعاصمة الأردنية عُمان، قَتل بالرصاص أردنياً هاجمه بمفك براغي في مجمع السفارة. كما توفي أردني ثانٍ تصادف وجوده في موقع الحادثة. وأضاف البيان أن بنيامين نتنياهو تحدث إلى حارس الأمن وإلى السفيرة الإسرائيلية في الأردن "عينات شلاين" حيث تم التأكيد على أن الحارس لديه حصانة دبلوماسية من الإستجواب والمحاكمة بموجب اتفاقية فيينا.
ردة الفعل الأردنية الشعبية
أثارت مسألة إفلات الحارس الإسرائيلي من العقاب قلق العديد من الأردنيين الذين طالبوا بالتحقيق مع حارس السفارة ومحاكمته. فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن اتخذت طابع تحقيق صوري لتهدئة الغضب الشعبي وحفظ ماء الوجه للقيادة الأردنية، حيث خرج الأمن العام الأردني ليعلن الإثنين، انتهاء التحقيقات الأولية في حادثة السفارة بعد سماع أقوال الحارس والأمر الآن بيد القضاء. لكن ما زاد السخط الشعبي هو تبرير الجريمة عبر اعتبار أنها نتجت عن تهجم نجل صاحب محل أثاث على الموظف الإسرائيلي. الأمر الذي نتج عنه سماح عمّان لحارس السفارة الإسرائيلية بالمغادرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد ذلك. وطالب الشارع الأردني لإغلاق السفارة الإسرائيلية وطرد سفيرها من البلاد.
الدلالات والتحليل
يمكن الخروج بما يلي فيما يخص التحليل والدلالات:
أولاً: على الرغم من عمق العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والأردن، فإن الحادث أدى الى توتر داخلي أردني، حيث أصاب القرار الأردني بالتخلي عن التحقيق مع الحارس والتحفظ عليه خذلان الشعب الأردني، حيث اعتبر الشعب الأردني أن الدولة ارتهنت للكيان الصهيوني كعادتها.
ثانياً: أثبتت الدولة الأردنية أنها عاجزة عن حماية شعبها. كما اعتبر الأردنيون أن الدولة لم تحترم القانون الأردني والسيادة الأردنية خصوصاً في قضية تتعلق بالمواثيق والعهود الدولية.
ثالثاً: فجرت حالة الغضب الشعبي المكالمة الهاتفية التي دارت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وسفيرة كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأردن، والتي عادت مع طاقم السفارة إلى تل أبيب، ومن بينهم رجل الأمن الإسرائيلي المتورط في عملية القتل الأمر الذي اعتبره الأردنيون استفزازاً متعمداً لهم في الوقت الذي يسعون فيه لمحاسبة رجل الأمن الإسرائيلي.
رابعاً: أكدت حالة السخط الشعبي وجود تناقض بين خيارات الشعب الأردني وخيارات النظام. وهو ما عبَّر عنه الشارع الأردني مراراً لا سيما اتفاقيات الغاو الأخيرة، والتي جاءت كمثال لحجم الرفض الأردني للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
خامساً: أعادت الحادثة التذكير بعدم جدوى اتفاقية سلام "وادي عربة" والتي وقعها الطرفين، والتي تضمنت بنود تعاون اقتصادية وثقافية بين البلدين. حيث اعتبرت قوى المعارضة الأردنية أن هذا االتطبيع الذي تمارسه الدولة الأردنية لا جدوى له، وأثبت أنه لا يحفظ ولا يصون سيادة وحرية واستقلال الأردن.
إذن لا يختلف خيار الشعب الأردني عن خيار الشعوب العربية والإسلامية. في حين يسير الأردن رسمياً على خطىً لم تعد محط قبول الشعب الأردني، الذي باتت أطياف المعارضة فيه فعَّالة لا سيما في القضايا التي تخالف أسس الصراع العربي الإسرائيلي. لنقول أن خيارات النظام، لا تتوافق خيارات الشعب، الذي بات يعتبر تغيير هذه التوجهات الرسمية، أحد أهم تحدياته الأساسية.!