الوقت- في كثير من الأحيان يخدعنا بصرنا ويجعلنا نتوهم بوجود أشياء غير موجودة أساسا، وبما أننا الآن نمر بأيام حارة تصل فيها درجة الحرارة في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية، لابد أن نتكلم عن ظاهرة غريبة نشاهدها جميعا في يوم مشمس حار على الطرق العامة السريعة كما نلاحظها كثيرا في الصحراء.
وتتمثل هذه الظاهرة بمصطلح نطلق عليه اسم "السراب"، حيث يترأى لنا أننا نرى بركة ماء بعيدة تبدو وكأنها واحة، ولكن عندما نصل إليها لا نجد سوى رمال جافة أو طريق معبد ليس فيه أي قطرة ماء.
ما هي هذه الظاهرة البصرية ؟!
لا شك بأن هذه الظاهرة تربك كل من يلقي بنظره على الطريق، وتدخله بنوع من الخداع البصري يدعى "السراب" الذي يعتبر نوع من أنواع الوهم البصري، ويحدث السراب نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة، والأرض المستوية، واختلاف في معامل الانكسار، مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صورا وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة.
كيف يحدث السراب؟!
تأتي هذه الظاهرة نتيجةً لانكسار أشعة الضوء أو انحناءها بسبب التفاوتات في درجة حرارة الهواء أعلى الطريق، وبحسب العلم فإن الهواء البارد هو أكثر كثافة من الهواء الساخن، وبالتالي أزيد في معامل الإنكسار. وعندما يمر الضوء من الهواء البارد عبر حدود حادة إلى جو أكثر دفئا إلى حد كبير، تقوم أشعة الضوء بالانحناء بعيدا عن اتجاه الانحدار في درجة الحرارة. عندما تمر أشعة الضوء من سخونة إلى برودة، ينحني الضوء نحو اتجاه الانحدار. إذا كان الهواء الذي بالقرب من سطح الأرض أكثر دفئا من ذلك الأعلى في المستوى، ينحني شعاع الضوء في شكل مقعر.

وعندما تصل أشعة الضوء المنعكسة إلى عين الإنسان، تقوم القشرة البصرية بتفسيره كما لو كان قد سار في خط مستقيم تماما على طول "خط الأفق" إلى أن وصل إلى العين. لكن هذا الخط هو في الحقيقة ميل لمسار الأشعة يأخذ عند نقطة وصولها إلى العين. والنتيجة هي أن صورة "ثانوية" من السماء تظهر على الأرض. المشاهد قد يفسر هذا المشهد الغير صحيح على أنه مياه تعكس صورة السماء، والذي هو أمر معقول وأكثر قربا إلى الدماغ.
أما عندما يكون الهواء القريب من سطح الأرض هو الأكثر برودة من الذي يعلوه تنحني أشعة الضوء إلى الأسفل، وتنتج صورة علوية "superior image".
علميا
عندما تسطع الشمس في أيام الصيف في الصحراء أو على الطرق المرصوفة ترتفع درجة حرارة سطح الأرض، وترتفع درجة حرارة طبقة الهواء الملامسة والقريبة من سطح الأرض فتتمدد، وتقل كثافتها وكذلك كثافتها الضوئية ومعامل انكسارها، وبذلك يزداد معامل انكسار الهواء تدريجيا كلما ارتفعنا إلى أعلى حيث يبرد الهواء، وتحدث ظاهرة السراب التي تجعلنا نتوهم وجود بركة من الماء وهي غير موجودة أساسا.

انكسار الضوء وعلاقته بالماء المزيف
من المتعارف عليه أن معامل الانكسار الوسط يعتمد جزئيا على درجة الحرارة الوسط، وعادةً ما يؤدي ارتفاع درجة الوسط إلى تضائل كثافته والعكس صحيح، ويبدو هذا التأثير أكثر وضوحا في الغازات، وتعتبر ظاهرة الماء المزيف مثالا شائعا على السراب.
مثال: عندما يكون الجو مشمس وحار، تقوم الشمس بتسخين الطريق بصورة كبيرة تماما كأي شيءٍ آخر، إلا أن الطرقات غالبا ما تكون سوداء اللون ما يمكنها من امتصاص الكثير من الحرارة وتصبح درجة حرارتها أعلى من الأجسام فاتحة اللون، ويؤدي هذا إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء الموجود مباشرة فوق الطريق، لينتج هواءً دافئًا يقبع أسفل طبقات هواء باردة، ما يصنع وسطًا غير متجانس، فيصبح الهواء الملاصق للطريق أقل كثافة من باقي الهواء.

لاشك بأن هذه الظاهرة تسبب الألم خاصة للأشخاص الذين يعيشون في الصحراء ولا يجدون قطرة ماء يروون بها ظمآهم، إذ يلعب ذاك الوهم البصري دورا في إيهامهم بوجود جسم مائي قريب، هذا لأنه يبدو متقنا بصورة تصعب التفريق بينه وبين الماء الحقيقي، فيتجه الظمآنين بسرعة صوبه آملين بإيجاد الماء ليصلوا بعدها إلى تلك النقطة ويدركوا ألا وجود لأي أثر للمياه، يالها من خدعة قاسية نسجها الضوء ومارستها البصريات والحرارة.