أولاً: القرار الأمريكي:
أقر الكونغرس الأمريكي ميزانية الدفاع الوطني لعام 2016 والتي خصصت 612 مليار دولار لوزارة الدفاع الأمريكية وفازت بعدد من الأصوات بلغ 269 مقابل 151 رافض من أصل 435 وامتنع 12 عن التصويت فيما تغيب 3 آخرون. وقد خصصت الميزانية 715 مليون دولار كمساعدات أمنية للعراق ولكنها اشترطت منح 25 بالمئة منها إلى الأكراد والسنة في العراق مباشرة وبشكل منفصل عن الحكومة العراقية فيما تعلق الحكومة الأمريكية 75 بالمئة من الميزانية عن الحكومة المركزية حتى تستوفي شروطاً معينة تتمثل في حل المظالم العرقية والطائفية للأقليات وتوسيع المشاركة السياسية وتنفيذ جهود تحجيم الدعم المقدم لداعش وتشريع قانون لتأسيس الحرس الوطني العراقي وضمان تمثيل الأقليات بأعداد كافية في مؤسسات الدولة الأمنية وضمان توزيع التجهيزات والمعدات والأسلحة الممنوحة من قبل أمريكا على القوات الأمنية بما فيها البيشمركة والقوات الأمنية العشائرية والحرس الوطني العراقي وإطلاق سراح السجناء من الاقليات العرقية والطائفية الذين القي القبض عليهم وتم احتجازهم أو توجيه تهم لهم ومحاكمتهم بشكل عادل وشفاف.
من جهةٍ ثانية، أكدت اللجنة القانونية النيابية العراقية أن القانون غير ملزم للحكومة العراقية. في وقت أوضح الخبير القانوني وعضو اللجنة القانونية سليم شوقي لجريدة الزمان بتاريخ 17 ايار 2015، أن القرار الأمريكي غير ملزم للحكومة العراقية. مشيراً الى أن التسليح خارج نطاق الحكومة المركزية مرفوض ولا يمكن التعامل معه. من جهة ثانية أكد الخبير القانوني طارق حرب لنفس الجريدة، أن أمريكا لم تشطب مفردة الدولة الكردية والسنية من قانون ميزانية الدفاع الوطني وبالتالي فإنها بتمرير المشروع خالفت القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي وخالفت الإتفاقية الأمنية مع العراق. كما أشار رئيس اللجنة القانونية العراقية حسن شويرد الحمداني لنفس المصدر، أن هذا القرار يعد تدخلاً في الشان العراقي وعلى الحكومة العراقية رفض القرار وحصر التسليح الخارجي بها وعن طريقها. مضيفا أن "العراق يرتبط باتفاقية أمنية مع واشنطن ولذلك على أوباما رفض قرار الكونغرس".
ثانياً: رفض العراق للقرار بكامل أطيافه:
فجر مشروع قانون أمريكي لتسليح الكرد والسنة، ردود أفعال بين مكونات الشعب العراقي وزاد في حدة الإستياء العراقي تجاه المشروع وقضايا أخرى. ففي الجانب الرسمي العراقي، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، رفضه لمشروع القانون المقترح في الكونغرس الأمريكي بشأن التعامل مع الكرد والسنة في العراق كـدولتين، معتبراً أنه سيؤدي إلى مزيد من الإنقسامات في المنطقة. وقال بيان صحافي نشره الموقع الرسمي للعبادي، إن الأخير رحب بجهود جميع الدول التي تقف إلى جانب العراق في حربه ضد عصابات الدولة الإرهابية وتقدم له المساعدات العسكرية، لافتاً إلى أن أي تسليح لن يتم إلا عن طريق الحكومة العراقية وفقاً لما تضعه من خطط عسكرية. وشدد العبادي على أن حكومة العراق بجميع مكوناته وأقلياته تواجه عصابات الدولة الإرهابية، مضيفاً أن "الوقائع أثبتت أن جميع هذه المكونات تواصل معركتها من أجل تحرير جميع الأراضي العراقية من عصابات الدولة وإعادة النازحين إلى مناطقهم واستعادة الحياة الطبيعية في ظل الحكومة التي اشترك الجميع في تشكيلها".
بدورها أعلنت وزارة الخارجية العراقية، عن رفضها الشديد لمشروع قانون مقدم في الكونغرس يدعو للإنقسام، عازية سبب ذلك إلى مساسه بالسيادة العراقية واستهدافه الواضح لوحدة الشعب العراقي، فيما أكدت أن أية مساعدة تقدم للعراق لا بد أن تراعي ضرورة التعامل مع الحكومة المركزية حصرا.
من جهة ثانية أشار وزير الداخلية محمد سالم الغبان خلال لقاء مع وسائل إعلام إلي ان الدستور يسمح لجميع المحافظات ان تكون اقليماً ولكن بشرط ان لا يكون طائفيا او مناهضا للعملية السياسية المركزية ولا نسمح لاي دولة بالتصرف وإعطاء امتيازات طائفية لأي مكون على الآخر لأننا في بلد واحد بحسب الدستور والعملية السياسية مشيرا إلى ان جميع القوى السياسية لا تسمح بتلك التصرفات.
بينما وصف رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، مسودة قرار الكونغرس الأمريكي بـ"الأمر الخطير"، محذراً من أن القرار من شأنه تعميق الانقسام في المجتمع العراقي ودفعه باتجاه التشظي والتقسيم. ومن جانبه، أصدر حزب الدعوة الإسلامية بيانا قال فيه إن "الحزب يتوجه بخطاب شديد اللهجة إلى كل المؤسسات والمحافل الدولية وإلى مؤسسة الكونغرس الأمريكي بالذات بالرفض المطلق لأي مشروع يقدم لها من أية جهة كانت تشم منه رائحة تقسيم العراق أو تقسيم العراقيين إلى مكونات يتضاد بعضها مع الآخر، فذلك تأجيج للفتنة الطائفية واشتعال للحرب الأهلية التي ستجر المنطقة بأسرها إلى الخراب والدمار".
من الواضح أن أمريكا تسعى لتقسيم العراق من خلال شرعنة قوانين، قد يكون لبعض الأطراف العراقية مصلحةٌ فيها. لكن الأمور اليوم تنتظر ما إذا كانت الأطراف العراقية ستضع مصلحة العراق أمام المصالح الفئوية. ولعل المقبل من الأيام فقط يوضح ذلك، في وقتٍ أصبحت فيه أمريكا تسعى لفرض السياسات التقسيمية تعبيراً عن إفلاسها.