الوقت- رغم أن هذه الهجمات ليست بالجديدة، ولكن عاملا الزمان والمكان يحملان دلالات عدّة. ورغم أن الهجوم الجديد على الجيش المصري في مدينة رفح التابعة لمحافظة شمال سيناء أودى بحياة 26 من عناصر الجيش المصري، إلا أن الوجهة الحقيقة لهذا الهجوم هي مدينة وشعب غزّة، تماماً كالجيش المصري.
قد يتفاجئ البعض من هذا الكلام، إلا أن هناك جملة من الإشارات تؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي يثأر من شعب غزّة المحاصر عبر مهاجمة الجيش المصري، الذي كان أبرز الجيوش العربية المدافعة عن القضية الفلسطينية.
لا ينكر أحد الفلتان الأمني في مناطق واسعة بشمال سيناء، إضافةً إلى الانفاق على الحدود مع القطاع، وكذلك الأمر بالنسبة للتركيبة الاجتماعية في شمال سيناء التي صعّبت من مهمّة الجيش المصري في مكافحة الإرهاب الداعشي، هذا التنظيم الذي بات مطيّة يستخدمها الكيان الإسرائيلي لقصف ومحاصرة أعداء.
في غزّة يعمد التنظيم الإرهاب إلى قصف أراضي غير مأهولة في المستوطنات الإسرائيلية المجاورة ليستخدم سلاح الجوّ الإسرائيلي هذا الأمر في إطار تبرير للقيام بغارات عدّة على مواقع المقاومة في غزّة. كذلك الأمر في الجولان السوري المحتلّ، حيث يعمد الجيش الإسرائيلي لقصف مواقع الجيش السوري بعد رمي جبهة النصرة لبعض القذائف نحو الأراضي المحتلّة، هذا ما تحدّث عنه الإعلام الإسرائيلي قبل الرواية السورية التي أكّدت استخدم السلطات الإسرائيلية جماعة النصرة كمطيّة لتبرير أعمالها العدائية في سوريا.
هجمات داعش في سيناء، في أغلبها إن لم يكن كلّها، بدءاً من العريش مروراً بالشيخ زويد وليس انتهاءً برفح، لا تخرج عن هذا الإطار، وإن حاول البعض ربطها بملفّات سياسية أخرى، كمحاولة بعض الأطراف استخدامها لتصفية الحساب مع حركة حماس، أو تجيير هذا الهجوم الإرهابي لصالح الخلاف القائم مع دولة قطر.
لاينكر أحد وجود مجاميع إرهابية في تلك المنطقة، لاسيّما في ظل الاوضاع الاجتماعيّة الصعبة هناك، إلا أن محاولة ربط هذه الهجمات بالقطاع، أو بالأنفاق هناك، تستدعي الإشارة إلى جملة من النقاط:
أولاً: إن الهجوم الإرهابي الجديد في شبه جزيرة سيناء هو الأضخم والأعنف هذا العام، ولا سيما بعد إقامة المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة وإخلاء السكان، إلا أنّه في الوقت عينه يتزامن مع التقارب الحمساوي مع مصر، الأمر الذي أدّى إلى فتح معبر رفح والتخفيف من حدّة الحصار على القطاع. هناك أشبه ما يكون بخشية إسرائيلية، كذلك الأمر بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، من التقارب المصري مع قطاع غزة والتفاهمات بين مصر ووفد الحركة برئاسة يحيى السنوار في زيارته الأخيرة للقاهرة. هناك حجم كبير من التقاطع بين السلطلة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في تشديد الحصار على قطاع غزة، فقد حاول عباس خلال زيارته بالأمس إلى مصر استكمال مساعيه "الممنهجة" لعرقلة هذه التفاهمات مع مصر، مستغلاً حدث رفح الإرهابي للتصويب على قطاع غزّة.
ثانياً: هناك سعي إسرائيلي واضح لجرّ الشعب المصري إلى حالة عداء تامّة مع الشعب الفلسطيني تحت مظلّة الإرهاب، وبالفعل هناك من وقع في الفخّ الإسرائيلي. بعد الهجوم بساعات نشرت حسابات مزعومة تدّعي أنها مناصرة لتنظيم داعش في قطاع غزة مشاركة ثلاثة من رفاقهم في الهجوم على الجيش المصري في سينا. وادّعت هذه الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، إن ثلاثة شبان من محافظة رفح جنوب قطاع غزة كانوا أعضاء سابقين في كتائب القسام، لقوا حتفهم في الهجوم. أي أن هناك محاولات حثيثة لربط إسم حماس بهجمات سيناء بغية تشديد الحصار على القطاع.
ثالثاً: رمي كرة الإرهاب في ملعب حماس تهدف لضرب عصافير عدّة بحجر واحد. الأول تشديد الحصار على القطاع عبر قطع العلاقات مع مصر وإغلاق معبر رفح. الثاني إيجاد حالة من العداء بين الشعب المصري وحركة حماس والشعب الفلسطيني بإطار أوسع. الثالث استخدام هذه الهجمات لتبرير إبقاء الحركة على قائمة الإرهاب، وإفشال أي مساعي سياسيّة للحركة قد تقّوض المساعي الإسرائيلي في الاستيطان.
رابعاً: يأتي هذه الهجوم بعد أيّام قليلة على تثمين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في أول خطاب له منذ ترأسه المكتب السياسي لحركة حماس ، تثمين "دور مصر التاريخي والذى يعبر عن الأصالة والمروءة"، مؤكدًا على تقدير الحركة للموقف المصرى، متمنياً أن يتعاظم هذا الدور حتى يتم تطبيق اتفاقيات القاهرة وإعادة اللحمة للشعب الفلسطيني. هنيّة وخشية من الاصطياد في الماء العكر سارع بعد الهجوم إلى التأكيد على أن الحركة ستتخذ إجراءات مكثفة على حدود قطاع غزة مع مصر لضمان عدم "اختراق" الحدود.
خامساً: يأتي الهجوم في ظل البدء من قبل حركة حماس بإقامة منطقة أمنية عازلة على طول حدود قطاع غزة مع مصر في إطار سعيها إلى تحسين علاقاتها مع القاهرة، حيث تمتد هذه المنطقة بطول 12 كيلومتراً وبعرض 100 متر، وسيتم بعد تعبيد الطريق في الجانب الفلسطيني من الحدود تركيب نظام كاميرات وبناء أبراج مراقبة عسكرية، وفق ما أعلن اللواء توفيق أبونعيم وكيل وزارة الداخلية في غزة. هذا التفاهمات التي حصلت بعد لقاء التقى وفد قيادي وأمني برئاسة يحيى السنوار قائد حماس في القطاع مدير المخابرات المصرية قبل عدة أسابيع خلال زيارة للقاهرة استمرت 9 أيام، وتوصلهما الى تفاهمات حول الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية والحدود. هذه التفاهمات يُراد نسفها عبر الهجمات الإرهابية.