الوقت- لم يمر القرار الذي اتخذته أحزاب كردية في إقليم كردستان العراق الأسبوع الماضي حول تحديد موعد الاستفتاء على استقلال الإقليم دون ردود فعل كثيرة توزعت بين معارضة داخلية وإقليمية وتحذير دولي واسع من مغبة التسرع لهكذا خطوة.
فقد عقدت هذه الأحزاب يوم الأربعاء الماضي اجتماعا في مدينة أربيل العراقية برئاسة مسعود بارازاني وأعلنت عن تحديد يوم 25 أيلول سبتمبر موعدا للاستفتاء على استقلال الإقليم ويوم 6 تشرين الثاني نوفبمر موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات رئاسة الإقليم.
التحدي الداخلي
كانت بعض الأحزاب الكردية في طليعة معارضي هذا القرار، حيث قاطعت الاجتماع معلنة أن موقفها هو رفض المساس بوحدة الأراضي العراقية.
عراقيا أيضا، سارعت الحكومة العراقية وعلى لسان المتحدث باسمها "سعد الحديثي" إلى التأكيد على الاستناد إلى الدستور باعتباره المرجعية القانونية والسياسية في تحديد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وهو الأساس في تسمية صلاحيات كل منهما. وشدد الحديثي على أن "أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور ومتوافقة مع مضامينه".
وفي نفس السياق اعتبر رئيس كتلة دولة القانون النيابية علي الأديب وهي من الأكبر في البرلمان إن قرار استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، خاطئ وقرار فردي، وفي غير وقته.
هذا وفي وقت نقلت تقارير صحفية كردية عن حكومة الإقليم أنها أودعت ستة ملايين دولار أمريكي في حساب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من اجل إجراء الاستفتاء والانفصال عن العراق. نفت المفوضية الاثنين الماضي أي علاقة لها بالاستفتاء الكردي الممهد للاستقلال على اثر تسلم المفوضية العليا للانتخابات في إقليم كردستان مبالغ مالية. وقال الناطق الرسمي باسم المفوضية المستقلة للانتخابات مقداد الشريفي أن مفوضية الانتخابات غير معنية بالاستفتاء الذي دعا إليه رئيس الإقليم مسعود بارزاني.
الرفض التركي الإيراني
إقليميا فردود الأفعال الرافضة كثيرة، وبطبيعة الحال فإن الموقف التركي هو الأهم في هذا السياق، حيث حذرت تركيا التي تعارض أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي وفي بيان لوزارة الخارجية اعتبرت أن قرار رئاسة إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء حول الانفصال يشكل "خطأ فادحاً". كما أكد رئيس وزراء تركيا بن علي يلديرم يوم الجمعة موقف بلاده الداعم لوحدة الأراضي العراقية، معتبرا قرار إجراء استفتاء إقليم كودستان للاستقلال بـ"غير المسؤول".
الجار الآخر للإقليم أي إيران وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي اعتبر أن "وحدة العراق الموحد والمستقر والديمقراطي يضمن مصالح الشعب ومكوناته العرقية والدينية لافتا في نفس الوقت إلى أن العراق يحتاج إلى السلم والمصالحة الوطنية أكثر من أي وقت مضى" وأضاف: "إن موقف طهران المبدئي والصريح يتوقف في دعم وحدة الأراضي العراقية، مشددا على أن إقليم كوردستان هو جزء لا يتجزأ من العراق وأن الإجراءات الأحادية الجانب والخارجة عن المعايير والإطار القانوني الوطني وكذلك الدستور العراقي، خاصة في الظروف المعقدة التي يمر بها العراق تؤدي إلى تنفيذ مشاريع الطامعين في عدم الاستقرار وخلق مشاكل جديدة في هذا البلد" لافتا إلى أن النزاعات بين بغداد وأربيل يجب أن تكون في إطار الحوار والمصالحة الوطنية ووفقا للدستور العراقي.
التخوف الدولي
أما دوليا فقد سارعت أمريكا إلى إعلان موقف حذر من القرار الكردي، معتبرة أن إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان قد يشتت الانتباه عن محاربة داعش.
ألمانيا بدورها عبرت عن قلقها من أن خطط إقليم كردستان لإجراء استفتاء على الاستقلال كونها قد تؤجج التوتر في المنطقة. وقال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل الخميس: "بوسعنا فقط أن نحذر من اتخاذ خطوات أحادية الجانب في هذه القضية، وحدة العراق في خطر كبير" مضيفا: "إن إعادة رسم حدود الدولة ليس هو الطريق الصحيح وقد يؤدي إلى تفاقم الموقف الصعب والمضطرب أصلا في أربيل وبغداد أيضا".
بريطانيا وعلى لسان سفيرها ومن مدينة حلبجة وفي مؤتمر صحافي له البارحة قال: "إن بلاده لا تعارض إجراء استفتاء لتقرير حق المصير باستقلال إقليم كردستان عن العراق غير أنها ترى أن الموعد المحدد له غير مناسب" وأضاف بيكر" "نحن مع حرية جميع الشعوب في نيل حقوقها ولكن برأينا إن الوقت غير ملائم لإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان في ظل الأوضاع الحالية التي يمر بها العراق والمتمثلة بالحرب ضد تنظيم داعش".
وأضاف بيكر أنه "في ظل هذه الظروف التي يمر بها العراق فإن الاستفتاء لن يكتب له النجاح بأي شكل من الأشكال". داعيا السلطات في كردستان الى الحصول على موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد قبل المضي قدما.
روسيا أيضا وعلى لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" دعت للحفاظ على وحدة العراق وحلّ المشكلات بين أربيل وبغداد عن طريق الحوار.
إذا لم تفلح محاولات الأحزاب الكردية بطمأنة المحيط والعالم إلى حسن نواياهم، عبر حديثهم عن تشكيل وفود للتواصل مع كل من إيران وتركيا وسوريا وطمأنتهم. كما لم يتمكن هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق والمقرب من بارزاني من طمأنة المتخوفين من قرار الاستفتاء عبر حديثه الذي اعتبر فيه أن الحديث جار عن استفتاء وليس انفصال، وهذا الاستفتاء سيعزز موقف الإقليم في التفاوض مع بغداد ولا يعني "انفصالا تلقائيا". فالمخاوف الداخلية والإقليمية والدولية أكبر من أن تطمئنها تصريحات لا تغير في تعقيدات ومشاكل المنطقة من شيء.