الوقت - كشفت مصادر عبرية أن الولايات المتحدة قد وقفت على حقيقة مفادها بأن نزع سلاح حزب الله ليس بالأمر الهيّن الذي يُنال بمجرد رغبة أو قرار، لذا ارتأت أن تمنح لبنان مهلةً جديدةً، متجنبةً بذلك الدخول في غمار حربٍ واسعة النطاق ضدّه، وفي ظل استمرار الضغوط الأمريكية على لبنان، التي تهدف إلى جرّه نحو مفاوضات سياسية مباشرة مع الكيان الصهيوني، تمهيداً لتطبيع العلاقات معه، فضلاً عن مساعيها لنزع سلاح حزب الله، يتزامن ذلك مع تصعيد الاحتلال اعتداءاته ضد لبنان.
ويُرتقب خلال الأيام المقبلة سلسلة من التحركات الدبلوماسية التي ستُعنى بهذه الأزمة المتفاقمة، فيما تتجه الأنظار نحو اللقاء الحاسم المزمع عقده بين بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان المحتل، ودونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، في التاسع والعشرين من ديسمبر الجاري.
تحركات دبلوماسية أمريكية ومصرية في الملف اللبناني
أوردت وسائل الإعلام العبرية أن تام باراك، المبعوث الأمريكي، شرع في تنفيذ مجموعة من التحركات الدبلوماسية في تل أبيب لمناقشة مستجدات الوضع الراهن، وزعمت تلك الوسائل أن المبعوث الأمريكي يسعى إلى بحث سبل الحدّ من تفاقم التوتر مع لبنان مع المسؤولين الإسرائيليين.
وتفيد التقارير بأن تلك المباحثات ستُستهل يوم الخميس بجلسة تمهيدية تُعقد في باريس، تهدف إلى دعم الجيش اللبناني، وفي اليوم نفسه، سيزور مصطفى مدبولي، رئيس وزراء مصر، لبنان لمتابعة المبادرة المصرية، يليها انعقاد اجتماع جديد للجنة “الميكانيزم”، المعنية بمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، بتشكيلها السياسي والعسكري الجديد.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة الأخبار، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن زيارة رئيس الوزراء المصري إلى لبنان، التي سيجتمع خلالها مع ثلاثة من كبار المسؤولين اللبنانيين، تأتي ضمن إطار المبادرة المصرية الرامية إلى احتواء التوترات المتصاعدة، غير أن مصر تراقب عن كثب ردود الفعل السلبية التي صدرت عن اللبنانيين تجاه تصريحات بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، خلال زيارته إلى بيروت، والتي تضمنت إشارات تهديدية وتلميحات من طرف "إسرائيل".
خفايا التحركات الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران في لبنان
وفي ظل هذه الأجواء، كشفت المصادر عن وجود خطة تحريضية داخلية تهدف إلى إثارة أزمة بين لبنان وإيران، وسط صمتٍ مطبق من الرئيس اللبناني جوزف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، وتشير المعلومات إلى أن حزب القوات اللبنانية، بقيادة سمير جعجع، الذي يسير وفق هوى السياسات الأمريكية والصهيونية، قد أعدّ هذه الخطة عبر يوسف رجّي، وزير الخارجية اللبناني، الذي يمثّل الحزب.
ووفقاً لما ورد في التقارير، فإن هذه الخطة التحريضية التي رسمها حزب سمير جعجع وممثلوه، تهدف إلى إخراج السفير الإيراني من لبنان، والامتناع عن استقبال أي مسؤول إيراني في بيروت، وقد تجلى هذا الموقف جلياً في تصريحات غياث يزبك، النائب المنتمي إلى حزب القوات اللبنانية، الذي طالب يوسف رجّي بطرد السفير الإيراني ورفض استقبال السفير الجديد.
وأوضحت صحيفة الأخبار أن وزارة الخارجية الإيرانية، في ردّها على هذه التحركات الاستفزازية، قد أعلنت أن إجراءات دخول السفير الإيراني الجديد إلى لبنان تسير وفق مسارها الطبيعي، معربةً عن أملها في أن تسير العملية دون عراقيل، كما شددت الوزارة على أنها دعت أصدقاءها اللبنانيين إلى التركيز على تعزيز التفاهم والحوار بين مختلف أطياف المجتمع اللبناني، تجنباً لأي انقسامات قد تُضعف وحدة الصف الوطني.
تقسيم الأدوار وتنسيق المناورات بين أمريكا و"إسرائيل" تجاه لبنان
على مسرح الضغوط والتعديات المتصاعدة من الكيان الصهيوني على لبنان، لا تزال الأوضاع الظاهرة في الأراضي المحتلة توحي بالثبات والجمود، وكأنها في انتظار عاصفة تتجمع غيومها في الأفق، غير أن وسائل الإعلام العبرية وأجهزة الأمن الإسرائيلية لا تنفكّ تبثّ إشارات متكررة عن استعدادات مكثفة لشنّ هجوم واسع النطاق يستهدف حزب الله، في إطار ما تصفه بعملية كبرى قد تكون فاصلةً.
بيد أن المستجد في هذا المشهد المتأزم هو ما أوردته التقارير العبرية مؤخراً، والتي أفادت بأن الولايات المتحدة تقف عائقاً أمام تنفيذ مثل هذه العملية الكبرى من قبل "إسرائيل"، وفي هذا السياق، صرّح شاي ليفي، المراسل العسكري لشبكة “القناة 12” الإسرائيلية، بأن تل أبيب تأخذ طلباً أمريكياً على درجة كبيرة من الجدية، وهو طلب يمنح الحكومة اللبنانية فرصةً أخيرةً لاتخاذ خطوات عملية في مسار نزع سلاح حزب الله، على أن تنقضي هذه المهلة مع نهاية العام.
وأشار المراسل إلى أن الضغوط الأمريكية حالت دون انتقال "إسرائيل" إلى مرحلة تصعيدية جديدة على الجبهة الشمالية، إذ تطالب واشنطن الكيان الصهيوني بتقييد نفسه ضمن نطاق الهجمات المحدودة وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة، وقد وضعت الإدارة الأمريكية مهلةً تنتهي مع حلول رأس السنة الميلادية، لتكون بمثابة اختبار للحكومة اللبنانية ومدى قدرتها على اتخاذ تدابير حاسمة تجاه سلاح حزب الله.
وفي معرض حديثه عن التقارير المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، زعم الكاتب أن "إسرائيل" كانت تضع خططاً جادةً لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في لبنان، وأن سلاحها الجوي قد أتمّ استعداداته لهذه المهمة، وأضاف إن هناك فرصةً وصفها بـ"النادرة" لتقويض القدرات العسكرية لحزب الله، ولا سيما في مجالات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة.
أما الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فترى أن الضربات التي نُفّذت في السابق ضد حزب الله قد نجحت في إضعافه، لكنها لم تُفلح في القضاء على تهديده بشكل جذري، وادعى المراسل أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة هي السبب الرئيس الذي حال دون اندلاع حرب شاملة ضد لبنان في هذه المرحلة، إذ ترفض واشنطن السماح بأي اجتياح بري واسع أو حتى تنفيذ عملية جوية كبرى.
على الجانب الآخر، أشار المراسل إلى أن الحكومة اللبنانية تبدو عاجزةً عن اتخاذ أي خطوة مباشرة لنزع سلاح حزب الله، إذ إن قادتها يدركون أن أي تحرك من هذا القبيل قد يُشعل فتيل حرب أهلية، وهو السيناريو الذي تتوجّس منه مختلف الأطياف اللبنانية.
وفي السياق ذاته، تناولت صحيفة “هاآرتس” العبرية هذا الملف من زاوية أخرى، حيث أوضحت أن حزب الله، في إطار استراتيجيته الرامية إلى إحباط مخططات "إسرائيل" لحرب واسعة النطاق، يلتزم بسياسة ضبط النفس وعدم الانجرار إلى ردود فعل تصعيدية.
وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية قد تُبدي استعدادها لتمديد المهلة الممنوحة للبنان شهرين إضافيين من أجل نزع سلاح حزب الله، لا سيما بعد أن صرّح تام باراك، المبعوث الأمريكي، بأن فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة أمر بعيد المنال، مشيراً إلى ضرورة البحث عن وسائل تحول دون استخدام الحزب لترسانته العسكرية.
وفي السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام عبرية عن ميشيل عيسى، السفير الأمريكي الجديد، قوله إن الضغط على حزب الله للتخلي عن سلاحه قد يكون غير قابل للتطبيق، وإن لم يكن بالإمكان نزعه، فلا بد من السعي إلى تقييد استخدامه والتحكم في آثاره.
