الوقت- لم يعد خافياً على أحد أن صورة "إسرائيل" أمام الرأي العام العالمي تتعرض لهزيمة غير مسبوقة في ميدان الإعلام والرواية السياسية، فقد أظهرت التطورات الأخيرة أن الشعوب لم تعد تبتلع الخطاب الإسرائيلي المكرر حول "الدفاع عن النفس" أو "محاربة الإرهاب"، بل باتت أكثر وعياً بأن هذه العناوين ليست إلا ستاراً لتبرير القمع والاحتلال والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني.
لقد نجحت صور الدمار في غزة، ومشاهد الأطفال تحت الأنقاض، والقصص اليومية لمعاناة المدنيين، في فضح "إسرائيل" وكشفها كقوة احتلال لا تتورع عن ارتكاب أبشع الانتهاكات، وبات الرأي العام في الشرق والغرب يقتنع شيئاً فشيئاً بأن "إسرائيل" ليست ضحية كما كانت تدّعي، بل هي مركز الشر في المنطقة وأحد أبرز عوامل الفوضى وعدم الاستقرار.
"إسرائيل" عامل رئيسي لعدم الاستقرار
يخطئ من يظن أن "إسرائيل" مجرد طرف عادي في صراعات المنطقة، فهي منذ تأسيسها تمثل قاعدة توتر دائمة، فالوجود القائم على الاحتلال والتهجير والإقصاء لا يمكن أن ينتج إلا صراعاً مستمراً، ومنذ عقود، لم تتوقف "إسرائيل" عن افتعال الأزمات وشن الحروب وتهديد استقرار المنطقة بأكملها، سواء عبر اجتياحاتها العسكرية أو عبر سياساتها العدوانية بحق الفلسطينيين وجيرانها.
التحليل الدقيق لمسار الأحداث يوضح أن المنطقة لم تعرف استقراراً حقيقياً منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي، بل تحوّلت إلى بؤرة توتر دائم تغذّيه الأطماع التوسعية والاعتداءات المستمرة، وما يحدث اليوم ليس إلا استمراراً لنهج ثابت يقوم على زعزعة الأمن في المنطقة لخدمة مشروع الاحتلال.
هزيمة "إسرائيل" في ساحة الوعي
إذا كانت "إسرائيل" قد نجحت لعقود في التحكم بالصورة الإعلامية عبر نفوذها الواسع في المؤسسات الإعلامية والسياسية الغربية، فإن وسائل التواصل الاجتماعي كسرت هذه الهيمنة وأعطت صوتاً للشعوب، لم يعد بإمكان الإعلام الموجه أن يخفي الحقيقة الكاملة، فالكاميرا في يد مواطن عادي في غزة قادرة على فضح جرائم الاحتلال ونقلها للعالم خلال لحظات.
هذه التحولات أحدثت شرخاً عميقاً في الرواية الإسرائيلية التي حاولت دائماً أن تصوّر نفسها كـ"واحة ديمقراطية" محاطة بالأعداء، أما اليوم، فقد باتت صورة "إسرائيل" مقترنة بالدمار والقتل والاستعمار، وباتت الشعوب الغربية نفسها تتساءل: كيف يمكن دعم دولة تمارس سياسة تطهير عرقي وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية؟
المقاومة الفلسطينية: معركة بُعدها أبعد من السلاح
وسط هذا التحول، يبرز دور المقاومة الفلسطينية كعنصر أساسي في تغيير موازين المعركة ليس فقط عسكرياً، بل إعلامياً ومعنوياً أيضاً، فالمقاومة أثبتت أنها لم تعد مجرد مجموعات محاصرة، بل أصبحت رمزاً لصمود شعب بأكمله يرفض الاستسلام.
المقاومة الفلسطينية تحمل اليوم رسالة واضحة للعالم: أن الاحتلال لن يُفرض بالقوة، وأن إرادة الشعوب قادرة على قلب المعادلات، ومن هنا فإن كل مواجهة بين المقاومة والاحتلال، مهما بلغت تكلفتها، تنعكس كسباً سياسياً وإعلامياً لمصلحة الفلسطينيين، مشاهد الصمود في غزة، وإصرار الأهالي على البقاء في أرضهم رغم القصف، تؤكد أن إرادة المقاومة أقوى من آلة الحرب الإسرائيلية.
التأثير على الرأي العام الدولي
اللافت في التطورات الأخيرة أن الرأي العام الدولي، بما فيه قطاعات واسعة من شعوب أوروبا وأمريكا، بدأ ينحاز إلى الرواية الفلسطينية، المظاهرات التي خرجت في عواصم عديدة لم تكن مجرد تعبير عن التضامن الإنساني، بل عن قناعة متزايدة بأن "إسرائيل" تمثل تهديداً للقيم التي تدّعي الدول الغربية الدفاع عنها: حقوق الإنسان، الحرية، العدالة.
هذه التحولات تمثل خسارة إستراتيجية لـ"إسرائيل"، لأن شرعيتها الدولية باتت على المحك، فالدعم السياسي لا يمكن أن يستمر طويلاً إذا كان يتناقض مع ضمير الشعوب، ومع الوقت، فإن الحكومات نفسها ستضطر إلى إعادة النظر في سياساتها تحت ضغط الشارع.
المستقبل: معركة الوعي مستمرة
الهزيمة الإعلامية التي تتعرض لها "إسرائيل" ليست حدثاً عابراً، بل هي جزء من مسار طويل يُعيد تشكيل الوعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية، اليوم، تتكرس قناعة بأن الاحتلال هو جذر كل الأزمات، وأن أي حديث عن سلام أو استقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بوجود هذا الكيان الذي يعيش على الحروب والصراعات.
المقاومة الفلسطينية بدورها تدرك أن معركة الوعي لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، ولذلك فإنها تواصل صمودها ومقاومتها، مدعومة بزخم شعبي وإعلامي عالمي غير مسبوق، وكلما اشتد القمع الإسرائيلي، كلما انكشفت حقيقة هذا الكيان أكثر أمام العالم.
في الختام، ما يجري اليوم يمكن تلخيصه في معادلة واضحة: "إسرائيل" تخسر معركة الصورة والوعي، بينما المقاومة الفلسطينية تكسب أرضاً جديدة في ساحة الرأي العام الدولي، وإذا كانت "إسرائيل" لا تزال تمتلك آلة عسكرية ضخمة، فإنها فقدت أحد أهم أسلحتها: القدرة على التحكم في الرواية.
هذه الهزيمة الإعلامية ليست مجرد شأن رمزي، بل لها انعكاسات عميقة على المستقبل السياسي للمنطقة، فهي تعزز عزلة "إسرائيل"، وتفتح المجال أمام القضية الفلسطينية لتستعيد مكانتها المركزية في الضمير العالمي، وبقدر ما تستمر المقاومة الفلسطينية في الصمود والمواجهة، فإن القناعة ستترسخ عالمياً بأن "إسرائيل" ليست سوى مركز للشر وعدم الاستقرار، وأن زوال الاحتلال هو الشرط الأول لتحقيق السلام الحقيقي.