الوقت- تشهد الساحة الدولية في الأسابيع الأخيرة موجة من التوترات الدبلوماسية بين فرنسا والولايات المتحدة بعد أن وجه السفير الأمريكي لدى باريس، تشارلز كوشنر، اتهامات لحكومة ماكرون بالتقصير في مواجهة ما أسماه "معاداة السامية" على خلفية تصريحات فرنسا حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعكس التوتر بين دعم واشنطن المطلق لـ"إسرائيل" والمواقف الأوروبية المتباينة.
إلى جانب ذلك، تستمر وتيرة التصريحات الإسرائيلية المتطرفة، والتي كان أبرزها تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، التي دعا فيها إلى تجويع المدنيين في قطاع غزة ومنع وصول الطعام والماء والكهرباء، معتبرًا ذلك وسيلة "أخلاقية" لإجبار حركة حماس على إطلاق الأسرى الإسرائيليين، هذه التصريحات لم تكن مجرد كلمات استفزازية، بل تُعد انعكاسًا صريحًا لسياسات الاحتلال القائمة على فرض الحصار والضغط على المدنيين الفلسطينيين، بما يرقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
التوتر الفرنسي الأمريكي: قضية كوشنر
أحدثت الأزمة الفرنسية الأمريكية، على خلفية رسالة السفير الأمريكي تشارلز كوشنر، صدمة دبلوماسية، فقد اتهم كوشنر الحكومة الفرنسية بالتقاعس في مواجهة "معاداة السامية"، مطالبًا بتشديد قوانين مكافحة جرائم الكراهية والحد من الانتقادات لـ"إسرائيل"، في خطوة اعتبرتها باريس تدخلًا غير مقبول في شؤونها الداخلية.
وزارة الخارجية الفرنسية ردت على ذلك بوصف التصريحات بأنها "غير مقبولة" وفقًا لاتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، مؤكدًة أن مثل هذه التصريحات لا تليق بالعلاقات بين الدول، وخاصة في ظل الأزمة الإنسانية التي تشهدها غزة.
هذا التوتر يكشف التباين بين المواقف الأوروبية الملتزمة بالقيم الإنسانية والقانون الدولي، والموقف الأمريكي الذي يستند إلى الدعم المطلق لـ"إسرائيل"، بغض النظر عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين: تجويع غزة وضم الأراضي
بتسلئيل سموتريتش، الذي يُعرف بمواقفه اليمينية المتطرفة، لم يكتفِ بالدعوة إلى استمرار الحصار على قطاع غزة، بل أعلن أيضًا عن خطط لضم أجزاء كبيرة من القطاع، مؤكداً أن توسيع الاستيطان الإسرائيلي أصبح "أقرب من أي وقت مضى"، هذه الخطوات تأتي في سياق استراتيجية أوسع لـ"إسرائيل" تهدف إلى تغيير الوقائع على الأرض وفرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد يقلل من إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويُضاف إلى ذلك إعلان "إسرائيل" عن خطط لبناء أكثر من 3400 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس الشرقية، في خطوة تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين مدينتي رام الله وبيت لحم، وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، ضمن مخطط الاحتلال الرامي إلى تثبيت السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة.
هذه السياسات الإسرائيلية أدت إلى زيادة الحساسيات الدولية، إذ اعتبرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان هذه الخطوات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا للسلام في المنطقة.
الصمت الدولي والدعم الأمريكي المستمر
رغم خطورة هذه التصريحات والسياسات، لم يُظهر المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، أي رد فعل حاسم، الدعم الأمريكي لـ"إسرائيلط لم يتراجع، بل استمر على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما يعكس سياسة واشنطن التقليدية في الشرق الأوسط الرامية إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي كحليف استراتيجي.
هذا الدعم الأمريكي يشمل تقديم المساعدات العسكرية الضخمة لـ"إسرائيل"، والحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة، إلى جانب التغطية السياسية والاقتصادية التي تمنح تل أبيب هامش حركة واسع لممارسة سياساتها، ومن الناحية التحليلية، يمثل هذا الدعم مثالًا صارخًا على ازدواجية المعايير الأمريكية التي تُدين بعض الانتهاكات في العالم لكنها تتغاضى عن الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين.
العزلة الإسرائيلية في أوروبا والرأي الشعبي
في المقابل، تواجه "إسرائيل" عزلة متنامية على الصعيد الأوروبي، بعد العدوان الأخير على غزة، شهدت أوروبا، وخصوصًا فرنسا، موجة من الاحتجاجات الشعبية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وأعربت الشعوب الأوروبية عن رفضها الشديد للسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك عمليات القصف والتهجير والتجويع.
البيانات والإحصاءات تشير إلى ارتفاع معدلات الكره الشعبي لـ"إسرائيل" في أوروبا، وتزايد الشعور بالاشمئزاز تجاه السياسات الإسرائيلية، وهو ما انعكس على تراجع مقبولية السفراء الإسرائيليين والممثلين الرسميين في عدد من الدول الأوروبية، هذه العزلة الشعبية تأتي على خلفية الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والجرائم الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة.
تداعيات الحصار والتجويع على غزة
فرض الحصار وتجويع المدنيين في غزة له آثار كارثية على الصعيد الإنساني والاقتصادي، المدنيون الفلسطينيون، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، يعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والدواء، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والخدمات الأساسية.
الخبراء وصفوا هذا الوضع بأنه قد يرقى إلى مستوى جريمة إبادة جماعية، حيث إن حرمان المدنيين من الاحتياجات الأساسية يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، كما أن استمرار الحصار يفاقم من الأوضاع الصحية ويؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة والعنف الاجتماعي داخل القطاع.
ردود الفعل الدولية
على الرغم من التصريحات الصارخة لمسؤولين مثل سموتريتش، فإن ردود الفعل الدولية كانت محدودة، وخاصة على الصعيد الرسمي، بينما ارتفعت الدعوات الشعبية في أوروبا والعالم العربي للتحرك ضد سياسات "إسرائيل".
الدول الأوروبية تُظهر تباينًا بين موقف حكوماتها التي تحافظ على العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" وبين شعوبها التي تعارض الاحتلال بشدة، هذه التباينات تعكس أزمة الثقة بين الشعوب وحكوماتها فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
أبعاد سياسية وتحليلية
ازدواجية المعايير الغربية: استمرار الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" رغم الجرائم المرتكبة يكشف ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، حيث تُدين الولايات المتحدة انتهاكات بعض الدول لكنها تغض الطرف عن انتهاكات "إسرائيل".
تزايد العزلة الشعبية لـ"إسرائيل": الكراهية المتنامية في أوروبا للشعب الإسرائيلي، بسبب سياسات الاحتلال، تؤكد أن "إسرائيل" تواجه أزمة شرعية على المستوى الشعبي، حتى في الدول الحليفة تاريخيًا.
تحديات الدبلوماسية الأوروبية: فرنسا، من خلال أزمة كوشنر، تواجه اختبارًا دبلوماسيًا صعبًا بين التزامها بالقيم الدولية والموقف الأمريكي الداعم لـ"إسرائيل"، وهو ما يعكس الصعوبة في موازنة المصالح والسياسات.
الأبعاد الإنسانية: سياسات الحصار والتجويع وإغلاق الخدمات الأساسية في غزة تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة.
ختام القول
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتطرفة، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، تكشف عن التوجهات الاستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، القائمة على التجويع والضم والاستيطان، بينما يظل الدعم الأمريكي مستمرًا بلا حدود.
في المقابل، تواجه "إسرائيل" عزلة متنامية على المستوى الشعبي الأوروبي، حيث تتزايد موجات الاحتجاج والرفض الشعبي، فيما تتعامل الحكومات الأوروبية بحذر مع هذه الأزمة الدبلوماسية، وخاصة بعد تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة بسبب رسائل السفير الأمريكي كوشنر.
إن استمرار هذه السياسات والتصريحات، دون ضغط دولي جاد، قد يؤدي إلى تصعيد شامل في المنطقة، وزيادة الأزمة الإنسانية في غزة، بينما يظل المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمصداقيته في الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.